حكم الأسلام فى الغناء


هنا القرضاوي يفصل القول في الغناء ... وله رأي حول (لهو الحديث) اللي صجونا فيها بعض مشايخنا ، وله رأي حول حديث (الحر والحرير والمغازف) ، الحديث طلع ....... يا الله جاهزين للقراءة؟؟ وإلا ما وراكم إلا الدجة؟؟ ما حكم الإسلام في الغناء والموسيقى ؟ لقد تبين لنا فيما ذكرناه من خلال النصوص : عناية الإسلام بالجمال , وحرصه على تربية تلك الحاسة التي تجعل الإنسان يشعر بالجمال ويتذوقه في مجالاته المتنوعة . ومن الجمال ما يتجلى لحاسة السمع , ومنه ما يتجلى لحاسة البصر , ومنه ما يتجلى لحواس أخرى . ونريد هنا أن نتحدث عن « الجمال المسموع » وبعبارة أخرى : عن الغناء سواء أكان بآلة موسيقية أم بغير آلة , ويلزمنا أن نجيب عن هذا السؤال الكبير : ما حكم الإسلام في الغناء والموسيقى ؟ ما حكم الإسلام في الغناء والموسيقى ؟ سؤال يتردد على ألسنة كثيرين في مجالات مختلفة وأحيان شتى . سؤال اختلف جمهور المسلمين اليوم في الإجابة عليه , واختلف سلوكهم تبعا لاختلاف أجوبتهم, فمنهم من يفتح أذنيه لكل نوع من أنواع الغناء , ولكل لون من ألوان الموسيقى مدعياً أن ذلك حلال طيب من طيبات الحياة التي أباح الله لعباد . ومنهم من يغلق الراديو أو يغلق أذنيه عند سماع أية أغنية قائلا : إن الغناء مزمار الشيطان , ولهو الحديث ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة وخاصة إذا كان المغني امرأة , فالمرأة -عندهم - صوتها عورة بغير الغناء , فكيف بالغناء ؟ ويستدلون لذلك بآيات وأحاديث وأقوال . ومن هؤلاء من يرفض أي نوع من أنواع الموسيقى , حتى المصاحبة لمقدمات نشرات الأخبار . ووقف فريق ثالث متردداً بين الفريقين ؛ ينحاز إلى هؤلاء تارة , والى أولئك طورا , ينتظر القول الفصل والجواب الشافي من علماء الإسلام في هذا الموضوع الخطير , الذي يتعلق بعواطف الناس وحياتهم اليومية , وخصوصا بعد أن دخلت الإذاعة - المسموعة والمرئية - على الناس بيوتهم , بجدها وهزلها , وجذبت إليها أسماعهم بأغانيها وموسيقاها طوعا وكرها . والغناء بآلة - أي مع الموسيقى - وبغير آلة : مسألة ثار فيها الجدل والكلام بين علماء الإسلام منذ العصور الأولى , فاتفقوا في مواضع واختلفوا في أخرى . اتفقوا على تحريم كل غناء يشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية , إذ الغناء ليس إلا كلاما , فحسنه حسن , وقبيحه قبيح , وكل قول يشتمل على حرام فهو حرام , فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم والتأثير ؟ واتفقوا على إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات والإثارة , وذلك في مواطن السرور المشروعة , كالعرس وقدوم الغائب , وأيام الأعياد . . . ونحوها , بشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب منها . وقد وردت في ذلك نصوص صريحة - سنذكرها فيما بعد . واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافا بينا : فمنهم من أجاز كل غناء بآلة وبغير آلة , بل اعتبره مستحبا , ومنهم من منعه بآلة وأجازه بغير آلة , ومنهم من منعه منعا باتاً بآله وبغير آلة , وعده حراما , بل ربما ارتقى به إلى درجة « الكبيرة » . ولأهمية الموضوع نرى لزاما علينا أن نفصل فيه بعض التفصيل , ونلقي عليه أضواء كاشفة لجوانبه المختلفة , حتى يتبين المسلم الحلال فيه من الحرام , متبعا للدليل الناصع , لا مقلدا قول قائل , وبذلك يكون على بينة من أمره , وبصيرة من دينه . الأصل في الأشياء الإباحة قرر علماء الإسلام أن الأصل في الأشياء الإباحة لقوله تعالى : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ) , ولا تحريم إلا بنص صحيح صريح من كتاب الله تعالى , أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع ثابت متيقن , فإذا لم يرد نص ولا إجماع . أو ورد نص صريح غير صحيح , أو صحيح غير صريح , بتحريم شئ من الأشياء , لم يؤثر ذلك في حله , وبقى في دائرة العفو الواسعة , قال تعالى : ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أحل الله في كتابه فهو حلال , وما حرم فهو حرام , وما سكت عنه فهو عفو , فاقبلوا من الله عافيته , فإن الله لم يكن لينسى شيئاً » , وتلا : (وما كان ربك نسياً ) ( رواه الحاكم عن أبى الدرداء وصححه , وأخرجه البزار ) . وقال : « إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها, وحد حدوداً فلا تعتدوها , وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها » ( أخرجه الدارقطنى عن أبي ثعلبة الخشنى . وحسنه الحافظ أبو بكر السمعانى في أماليه , والنووي في الأربعين ) . وإذا كانت هذه هي القاعدة فما هي النصوص والأدلة التي استند إليها القائلون بتحريم الغناء , وما موقف المجيزين منها ؟ أدلة المحرمين للغناء ومناقشتها ( أ ) استدل المحرمون بما روى عن ابن مسعود وابن عباس وبعض التابعين : أنهم حرموا الغناء محتجين بقول الله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً , أولئك لهم عذاب مهين ) وفسروا لهو الحديث بالغناء . قال ابن حزم : ولا حجة في هذا لوجوه : أحدها : أنه لا حجه لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني : أنه قد خالف غيرهم من الصحابة والتابعين . والثالث : أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها ! لأن فيها : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا ) وهذه صفة من فعلها كان كافراً بلا خلاف , إذا اتخذ سبيل الله هزواً . قال : « ولو أن امرءاً اشترى مصحفا ليضل به عن سبيل الله , ويتخذه هزواً , لكان كافراً ؛ فهذا هو الذي ذم الله تعالى , وما ذم قط - عز وجل - من اشترى لهو الحديث ليتلهى به ويروح نفسه , لا ليضل عن سبيل الله تعالى . فبطل تعلقهم بقول هؤلاء , وكذلك من اشتغل عامداً عن الصلاة بقراءة القرآن , أو بقراءة السنن , أو بحديث يتحدث به , أو بغناء أو بغير ذلك , فهو فاسق عاص لله تعالى, ومن لم يضيع شيئا من الفرائض اشتغالا بما ذكرنا فهو محسن » . ( ب ) واستدلوا بقوله تعالى في مدح المؤمنين : ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ) , والغناء من اللغو فوجب الإعراض عنه . ويجاب بأن الظاهر من الآية أن اللغو : سفه القول من السب والشتم ونحو ذلك , وبقية الآية تنطق بذلك . قال تعالى : ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) , فهي شبيهة بقوله تعالى في وصف عباد الرحمن : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) . ولو سلمنا أن اللغو في الآية يشمل الغناء لوجدنا الآية تستحب الإعراض عن سماعه وتمدحه , وليس فيها ما يوجب ذلك . وكلمة « اللغو » ككلمة « الباطل » تعنى ما لا فائدة فيه , وسماع ما لا فائدة فيه ليس محرماً ما لم يضيع حقا , أو يشغل من واجب . روى عن ابن جريج : أنه كان يرخص في السماع فقيل له : أيؤتى به يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك ؟ فقال : لا في الحسنات ولا في السيئات : لأنه شبيه باللغو , قال تعالى : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) . قال الإمام الغزالي : « إذا كان ذكر اسم الله تعالى على الشيء على طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم , والمخالفة فيه - مع أنه لا فائدة فيه - لا يؤاخذ به , فكيف يؤاخذ بالشعر والرقص » ؟! . على أننا نقول : ليس كل غناء لغواً : إنه يأخذ حكمه وفق نية صاحبه , فالنية الصالحة تحيل اللهو قربة , والمزح طاعة , والنية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة وباطنه الرياء : « إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم » . وننقل هنا كلمة جيدة قالها ابن حزم في « المحلى » رداً على الذين يمنعون الغناء قال : « احتجوا فقالوا : من الحق الغناء أم من غير الحق ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث , وقد قال الله تعالى : ( فماذا بعد الحق إلا الضلال ) فجوابنا - وبالله التوفيق - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى » فمن نوى باستماع الغناء عونا على معصية الله فهو فاسق , وكذلك كل شئ غير الغناء , ومن نوى به ترويح نفسه , ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل , وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن , وفعله هذا من الحق . ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه , كخروج الإنسان إلى بستانه , وقعوده على باب داره متفرجا , وصبغه ثوبه لازوردياً أو أخضر أو غير ذلك , ومد ساقه وقبضها , وسائر أفعاله . ( جـ ) واستدلوا بالحديث : « كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله , وتأديبه فرسه , ورميه عن قوسه » ( رواه أصحاب السلف الأربعة , وفيه اضطراب ) . . والغناء خارج عن هذه الثلاثة . وأجاب المجوزون بضعف الحديث , ولو صح لما كان فيه حجة , فإن قوله : « فهو باطل » لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة . فقد ورد عن أبى الدرداء قوله : « إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل ليكون أقوى لها على الحق . على أن الحصر في الثلاثة غير مراد , فإن التلهي بالنظر إلى الحبشة وهم يرقصون في المسجد النبوي خارج عن تلك الأمور الثلاثة , وقد ثبت في الصحيح . ولا شك أن التفرج في البساتين وسماع أصوات الطيور , وأنواع المداعبات مما يلهو به الرجل , لا يحرم عليه شئ منها وان جاز وصفه بأنه باطل . ( د ) واستدلوا بالحديث الذي رواه البخاري - معلقا - عن أبى مالك أو أبى عامر الأشعري - شك من الراوي - عن النبي عليه الصلاة والسلام قال : « ليكونن قوم من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف » . والمعازف : الملاهي, أو آلات العزف . والحديث وان كان في صحيح البخاري , إلا أنه من « المعلقات » لا من « السندات المتصلة » ولذلك رده ابن حزم لانقطاع سنده , ومع التعليق فقد قالوا : إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب . وقد اجتهد الحافظ ابن حجر لوصل الحديث , ووصله بالفعل من تسع لحرق , ولكنها جميعا تدور على راو تكلم فيه عدد من الأئمة النقاد , ألا وهو : هشام ابن عمار . وهو - وان كان خطيب دمشق ومقرئها ومحدثها وعالمها , ووثقه ابن معين والعجلى - فقد قال عنه أبو داود : حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها . وقال أبو حاتم : صدوق وقد تغير , فكان كل ما دفع إليه قرأه , وكل ما لقنه تلقن . وكذلك قال ابن سيار . وقال الإمام أحمد : طياش خفيف . وقال النسائي : لا بأس به ( وهذا ليس بتوثيق مطلق ) . ورغم دفاع الحافظ الذهبي عنه قال : صدوق مكثر له ما ينكر. وأنكروا عليه أنه لم يكن يحدث إلا بأجر ! ومثل هذا لا يقبل حديثه في مواطن النزاع , وخصوصا في أمر عمت به البلوى . ورغم ما في ثبوته من الكلام , ففي دلالته كلام آخر ! فكلمة « المعازف » لم يتفق على معناها بالتحديد : ما هو ؟ فقد قيل : الملاهي , وهذه مجملة , وقيل : آلات العزف . ولو سلمنا بأن معناها : آلات الطرب المعروفة بآلات الموسيقى . فلفظ الحديث المعلق في البخاري غير صريح في إفادة حرمة « العازف » لأن عبارة « يستحلون » كما ذكر ابن العربي لها معنيان : أحدهما : يعتقدون أن ذلك حلال , والثاني : أن تكون مجازاً عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور ! إذ لو كان المقصود بالاستحلال : المعنى الحقيقي , لكان كفراً , فإن استحلال الحرام المقطوع به - مثل الخمر والزنى المعبر عنه ب « الحر » - كفر بالإجماع . ولو سلمنا بدلالتها على الحرمة , فهل يستفاد منها تحريم المجموع المذكور من الحر والحرير والخمر والمعازف , أو كل فرد منها على حدة ؟ والأول هو الراجح . فإن الحديث في الواقع ينعى على أخلاق طائفة من الناس : انغمسوا في الترف والليالي الحمراء , وشرب الخمور . فهم بين خمر ونسا ء , ولهو وغناء , وخز وحرير . ولذا روى ابن ماجه هذا الحديث عن أبى مالك الأشعري بلفظ : « ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها , يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات , يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير » , وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه , والبخاري في تاريخه . وكل من روى الحديث من طريق غير طريق هشام بن عمار , جعل الوعيد على شرب الخمر , وما المعازف إلا مكملة وتابعة . ( هـ ) واستدلوا بحديث عائشة : « إن الله تعالى حرم القينة ( أي الجارية ) وبيعها وثمنها , وتعليمها » . والجواب عن ذلك : أولا : أن الحديث ضعيف , وكل ما جاء في تحريم بيع القيان ضعيف . ثانيا : قال الغزالي : المراد بالقينة الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب , وغناء الأجنبية للفساق ومن يخاف عليهم الفتنة حرام , وهم لا يقصدون بالفتنة إلا ما هو محذور . فأما غناء الجارية لمالكها , فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث . بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة , بدليل ما روى في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت عائشة رضى الله تعالى عنها, وسيأتي . تابع أدلة المحرمين ومناقشتها: ثالثا : كان هؤلاء القيان المغنيات يكون عنصراًَ هاماً من نظام الرقيق , الذي جاء الإسلام بتصفيته تدريجيا , فلم يكن يتفق وهذه الحكمة : إقرار بقا ء هذه الطبقة في المجتمع الإسلامي , فإذا جاء حديث بالنعي على امتلاك « القينة » وبيعها , والمنع منه , فذلك لهدم ركن من بناء « نظام الرق » العتيد . ( و ) واستدلوا بما روى نافع : أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع فوضع إصبعيه في أذنيه , وعدل راحلته عن الطريق , وهو يقول : يا نافع , أتسمع ؟ فأقول : نعم , فيمضى , حتى قلت : لا . فرفع يده وعدل راحلته إلى الطريق وقال : « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع زمارة راع فصنع مثل هذا ( رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ) . والحديث قال عنه أبو داود : حديث منكر . ولو صح لكان حجة على المحرمين لا لهم . فلو كان سماع المزمار حراما ما أباح النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر سماعه , ولو كان عند ابن عمر حراما ما أباح لنافع سماعه , ولأمر عليه السلام بمنع وتغيير هذا المنكر , فإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر دليل على أنه حلال . وإنما تجنب - عليه السلام - سماعه كتجنبه أكثر المباح من أمور الدنيا كتجنبه الأكل متكئا وأن يبيت عنده دينار أو درهم . . . . الخ . ( ز ) واستدلوا أيضا بما روى : « إن الغناء ينبت النفاق في القلب » ولم يثبت هذا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم , وإنما ثبت قولا لبعض الصحابة أو التابعين , فهو رأى لغير معصوم خالفه فيه غيره . فمن الناس من قال - وبخاصة الصوفية - : إن الغناء يرقق القلب , ويبعث الحزن والندم على المعصية , ويهيج الشوق إلى الله تعالى , ولهذا اتخذوه وسيلة لتجدد نفوسهم , وتنشيط عزائمهم , وإثارة أشواقهم . قالوا : وهذا أمر لا يعرف إلا بالذوق والتجربة والممارسة , ومن ذاق عرف , وليس الخبر كالعيان .ا على أن الإمام الغزالي جعل حكم هذه الكلمة بالنسبة للمغني لا للسامع , إذ كان غرض المغني أن يعرض نفسه على غيره , ويروج صوته عليه , ولا يزال ينافق ويتودد إلى الناس ليرغبوا في غنائه . ومع هذا قال الغزالي : وذلك لا يوجب تحريما , فإن لبس الثياب الجميلة , وركوب الخيل المهملجة , وسائر أنواع الزينة , والتفاخر بالحرث والأنعام والزرع وغير ذلك , ينبت النفاق في القلب , ولا يطلق القول بتحريم ذلك كله , فليس السبب في ظهور النفاق في القلب : المعاصي , بل إن المباحات , التي هي مواقع نظر الخلق , أكثر تأثيرا. ( ح ) واستدلوا على تحريم غناء المرأة خاصة , بما شاع عند بعض الناس من أن صوت المرأة عورة . وليس هناك دليل ولا شبه دليل من دين الله على أن صوت المرأة عورة , وقد كان النساء يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ملأ من أصحابه , وكان الصحابة يذهبون إلى أمهات المؤمنين ويستفتونهن ويفتينهم ويحدثنهم , ولم يقل أحد : إن هذا من عائشة أو غيرها كشف لعورة يجب أن تستر . مع أن نساء النبي عليهن من التغليظ ما ليس على غيرهن . وقال تعالى : ( وقلن قولا معروفا ). فإن قالوا : هذا في الحديث العادي لا في الغناء , قلنا : روى الصحيحان أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع غناء الجاريتين ولم ينكر عليهما , وقال لأبى بكر : دعهما . وقد سمع ابن جعفر وغيره من الصحابة والتابعين الجواري يغنين . ( ط ) واستدلوا بحديث الترمذي عن علي مرفوعاً : « إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة , هل بها البلاء… » , وذكر منها : « واتخذت القينات والمعازف » , والحديث متفق على ضعفه , فلا حجة فيه . والخلاصة : أن النصوص التي استدل بها القائلون بالتحريم إما صحيح غير صريح , أو صريح غير صحيح . ولم يسلم حديث واحد مرفوع إلى رسول الله يصلح دليلاً للتحريم , وكل أحاديثهم ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية . قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب « الأحكام » : لم يصح في التحريم شئ . وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة . وقال ابن طاهر في كتابه في « السماع » : لم يصح منها حرف واحد . وقال ابن حزم : ولا يصح في هذا الباب شئ , وكل ما فيه فموضوع . ووالله لو أسند جميعه , أو واحد منه فاكثر , من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , لما ترددنا في الأخذ به . أدلة المجيزين للغناء أدلة المجيزين للغناء : تلك هي أدلة المحرمين , وقد سقطت واحدا بعد الآخر , ولم يقف دليل منها على قدميه . وإذا انتفت أدلة التحريم بقى حكم الغناء على أمل الإباحة بلا شك , ولو لم يكن معنا نص أو دليل واحد على ذلك غير سقوط أدلة التحريم . فكيف ومعنا نصوص الإسلام الصحيحة الصريحة , وروحه السمحة , وقواعده العامة , ومبادئه الكلية ؟ وهاك بيانها : أولاً - من حيث النصوص : استدلوا بعدد من الأحاديث الصحيحة , منها : حديث غناء الجاريتين في بيت النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة , وانتهار أبى بكر لهما , وقوله : مزمار الشيطان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم , وهذا يدل على أنهما لم تكونا صغيرتين كما زعم بعضهم , فلو صح ذلك لم تستحقا غضب أبى بكر إلى هذا الحد . والمعول عليه هنا هو رد النبي صلى الله عليه وسلم على أبى بكر رضى الله عنه وتعليله : أنه يريد أن يعلم اليهود أن في ديننا فسحة , وأنه بعث بحنيفية سمحة . وهو يدل على وجوب رعاية تحسين صورة الإسلام لدى الآخرين , وإظهار جانب اليسر والسماحة فيه . وقد روى البخاري وأحمد عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « يا عائشة , ما كان معهم من لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو » . وروى ابن ماجه عن ابن عباس قال : أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار , فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ‹« أهديتم الفتاة » ؟ قالوا : نعم . قال : « أرسلتم معها من يغنى » ؟ قالت : لا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الأنصار قوم فيهم غزل , فلو بعثتم معها من يقول : أتيناكم أتيناكم .. فحيانا وحياكم ؟! وهذا الحديث يدل على رعاية أعراف الأقوام المختلفة , واتجاههم المزاجي , ولا يحكم المرء مزاجه هو في حياة كل الناس . وروى النسائي والحاكم وصححه عن عامر بن سعد قال : دخلت على قرظة بن كعب وأبى مسعود الأنصاري في عرس , وإذا جوار يغنين . فقلت : أي صاحبي رسول الله أهل بدر يفعل هذا عندكم ؟! فقالا : اجلس إن شئت فاستمع معنا , وان شئت فاذهب , فإنه قد رخص لنا اللهو عند العرس . وروى ابن حزم بسند« عن ابن سيرين : أن رجلاً قدم المدينة بجوار فأتى عبد الله ابن جعفر فعرضهن عليه , فأمر جارية منهن فغنت , وابن عمر يسمع , فاشتراها ابن جعفر بعد مساومة , ثم جاء الرجل إلى ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن , غبن بسبعمائة درهم ! فأتى ابن عمر إلى عبد الله بن جعفر فقال له : إنه غبن بسبعمائة درهم , فإما أن تعطيها إياه , وإما أن ترد عليه بيعه , فقال : بل نعطيه إياها . قال ابن حزم : فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعى في بيع المغنية , وهذا إسناد صحيح , لا تلك الملفقات الموضوعة . واستدلوا بقوله تعالى : ( وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائما , قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة , والله خير الرازقين ) . فقرن اللهو بالتجارة - وهى حلال بيقين - , ولم يذمهما إلا من حيث شغل الصحابة بهما - بمناسبة قدوم القافلة وضرب الدفوف فرحا بها - من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم , وتركه قائما . واستدلوا بما جاء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم : أنهم باشروا السماع بالفعل أو أقروه وهم القوم يقتدى بهم فيهتدى . واستدلوا بما نقله غير واحد من الإجماع على إباحة السماع , كما سنذكره بعد . وثانياً من حيث روح الإسلام وقواعده : ( أ ) لا شئ في الغناء إلا أنه من طيبات الدنيا التي تستلذها الأنفس , وتستطيبها العقول , وتستحسنها الفطر , وتشتهيها الأسماع , فهو لذة الأذن , كما أن الطعام الهنيء لذة المعدة , والمنظر الجميل لذة العين , والرائحة الذكية لذة الشم …. الخ , فهل الطيبات - أي المستلذات - حرام في الإسلام أم حلال ؟ من المعروف أن الله تعالى كان قد حرم على بني إسرائيل بعض طيبات الدنيا عقوبة لهم على سوء ما صنعوا , كما قال تعالى : ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً * وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل ) , فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم جعل عنوان رسالته في كتب الأولين أنه : ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) . فلم يبق في الإسلام شيء طيب - أي تستطيبه الأنفس والعقول السليمة - إلا أحله الله , رحمة بهذه الأمة لعموم رسالتها وخلودها . قال تعالى : ( يسألونك ماذا أحل لهم , قل أحل لكم الطيبات ) . ولم يبح الله لواحد من الناس أن يحرم على نفسه أو على غيره شيئاً من الطيبات مما رزق الله , مهما يكن صلاح نيته أو ابتغاء وجه الله فيه , فإن التحليل والتحريم من حق الله وحده , وليس من شأن عباده, قال تعالى : ( قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل ءآلله أذن لكم , أم على الله تفترون ) , وجعل سبحانه تحريم ما أحله من الطيبات كإحلال ما حرم من المنكرات , كلاهما يجلب سخط الله وعذابه , ويردي صاحبه في هاوية الخسران المبين , والضلال البعيد , قال جل شأنه ينعى على من فعل ذلك من أهل الجاهلية : ( قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله , قد ضلوا وما كانوا مهتدين ) . ( ب ) ولو تأملنا لوجدنا حب الغناء والطرب للصوت الحسن يكاد يكون غريزة إنسانية وفطرة بشرية , حتى إننا لنشاهد الصبي الرضيع في مهده يسكته الصوت الطيب عن بكائه , وتنصرف نفسه عما يبكيه إلى الإصغاء إليه . ولذا تعودت الأمهات والمرضعات والمربيات الغناء للأطفال منذ زمن قديم . بل نقول : إن الطيور والبهائم تتأثر بحسن الصوت والنغمات الموزونة حتى قال الغزالي في الإحياء : « من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال , بعيد عن الروحانية , زائد في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور وجميع البهائم , إذ الجمل - مع بلادة طبعه - يتأثر بالحداء تأثراً يستخف معه الأحمال الثقيلة , ويستقصر - لقوة نشاطه في سماعه - المسافات الطويلة , وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه . فترى الإبل إذا سمعت الحادي تمد أعناقها , وتصغي إليه ناصبة آذانها , وتسرع في سيرها , حتى تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها » . وإذا كان حب الغناء غريزة وفطرة فهل جاء الدين لمحاربة الغرائز والفطر والتنكيل بها ؟ كلا , إنما جاء لتهذيبها والسمو بها , وتوجيهها التوجيه القويم . قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : إن الأنبياء قد بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتبديلها وتغييرها . ومصداق ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما , فقال : « ما هذان اليومان »؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية . فقال عليه السلام : « إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما : يوم الأضحى ويوم الفطر » ( رواه أحمد وأبو داود والنسائي ) . وقالت عائشة : « لقد رأيت النبي يسترني بردائه , وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد , حتى أكون أنا التي أسأمه - أي اللعب - فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو » . وإذا كان الغناء لهواً ولعبا فليس اللهو واللعب حراما , فالإنسان لا صبر له على الجد المطلق والصرامة الدائمة . قال النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة - حين ظن نفسه قد نافق لمداعبته زوجه وولده , وتغير حاله في بيته عن حاله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا حنظلة , ساعة وساعة » (رواه مسلم ) . وقال علي بن أبى طالب : روحوا القلوب ساعة بعد ساعة , فإن القلوب إذا أكرهت عميت . وقال كرم الله وجهه : إن القلوب تمل كما تمل الأبدان , فابتغوا لها طرائف الحكمة . وقال أبو الدرداء : إني لأستجم نفسي بالشيء من اللهو ليكون أقوى لها على الحق . وقد أجاب الإمام الغزالي ممن قال : إن الغناء لهو ولعب بقوله : « هو كذلك , ولكن الدنيا كلها لهو ولعب . . . وجميع المداعبة مع النساء لهو , إلا الحراثة التي هي سبب وجود الولد , كذلك المزح الذي لا فحش فيه حلال , نقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة . وأي لهو يزيد على لهو الحبشة والزنوج في لعبهم , فقد ثبت بالنص إباحته . على أني أقول : اللهو مروح القلب , ومخفف أعباء الفكر , والقلوب إذا أكرهت عميت , وترويحها إعانة لها على الجد , فالمواظب على التفقه مثلاً ينبغي أن يتعطل يوم الجمعة : لأن عطلة يوم تساعد على النشاط في سائر الأيام , والمواظب على نوافل الصلوات في سائر الأوقات ينبغي أن يعطل في بعض الأوقات , ولأجله كرهت الصلاة في بعض الأوقات , فالعطلة معونة على العمل , واللهو معين على الجد , ولا يصبر على الجد المحض , والحق المر , إلا نفوس الأنبياء , عليهم السلام . فاللهو دواء , القلب من داء الإعياء والملال , فينبغي أن يكون مباحاً , ولكن لا ينبغي أن يستكثر , كما لا يستكثر من الدواء. فإذن اللهو على هذه النية يصير قربه , هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها , بل ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة , فينبغي أن يستحب له ذلك , ليتوصل به إلى المقصود الذي ذكرناه . نعم هذا يدل على نقصان عن ذروة الكمال , فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن يروح نفسه بغير الحق , ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين , ومن أحاط بعلم علاج القلوب , ووجوه التلطف بها , وسياقاتها إلى الحق , علم قطعا أن ترويحها بأمثال هذه الأمور دواء نافع لا غنى عنه » . . انتهى كلام الغزالي , وهو كلام نفيس يعبر عن روح الإسلام الحق . القائلون بإجازة الغناء القائلون بإجازة الغناء : تلك هي الأدلة المبيحة للغناء من نصوص الإسلام وقواعده , فيها الكفاية كل الكفاية ولو لم يقل بموجبها قائل , ولم يذهب إلى ذلك فقيه , فكيف وقد قال بموجبها الكثيرون من صحابة وتابعين وأتباع وفقهاء ؟ وحسبنا أن أهل المدينة - على ورعهم - والظاهرية - على حرفيتهم وتمسكهم بظواهر النصوص - والصوفية - على تشددهم وأخذهم بالعزائم دون الرخص - روى عنهم إباحة الغناء . قال الإمام الشوكاني في « نيل الأوطار » : « ذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر , وجماعة الصوفية , إلى الترخيص في الغناء , ولو مع العود واليراع » . وحكى الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع : أن عبد الله بن جعفر كان لا يرى بالغناء بأساً , ويصوغ الألحان لجواريه , ويسمعها منهن على أوتاره . وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي رضى الله عنه . وحكى الأستاذ المذكور مثل ذلك أيضا عن القاضي شريح , وسعيد بن المسيب , وعطاء بن أبى رباح , والزهرى , والشعبى . وقال إمام الحرمين في النهاية , وابن أبي الدنيا : نقل الأثبات من المؤرخين : أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات , وأن ابن عمر دخل إليه والى جنبه عود , فقال : ما هذا يا صاحب رسول الله ؟.ا فناوله إياه , فتأمله ابن عمر فقال : هذا ميزان شامي ؟ قال ابن الزبير : يوزن به العقول ! وروى الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالته في السماع بسنده إلى ابن سيرين قال : « إن رجلاً قدم المدينة بجوار فنزل على ابن عمر , وفيهن جارية تضرب . فجاء رجل فساومه , فلم يهو فيهن شيئا . قال : انطلق إلى رجل هو أمثل لك بيعا من هذا . قال : من هو ؟ قال : عبد الله بن جعفر . . فعرضهن عليه , فأمر جارية منهن , فقال لها : خذي العود , فأخذته , فغنت , فبايعه ثم جاء إلى ابن عمر . . . . إلى آخر القصة . وروى صاحب « العقد » العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي : أن عبد الله بن عمر دخل على ابن جعفر فوجد عنده جارية في حجرها عود , ثم قال لابن عمر : هل ترى بذلك بأساً ؟ قال : لا بأس بهذا . وحكى الماوردى عن معاوية وعمرو بن العاص : أنهما سمعا العود عند ابن جعفر . وروى أبو الفرج الأصبهانى : أن حسان بن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء بالمزهر بشعر من شعره . وذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك . والمزهر عند أهل اللغة : العود . وذكر الأدفوى : أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع جواريه قبل الخلافة . ونقل ابن السمعانى الترخيص عن طاووس , ونقله ابن قتيبة وصاحب « الإمتاع » عن قاضى المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري من التابعين . ونقله أبو يعلى الخليلى في « الإرشاد » عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدينة . وحكى الرويانى عن القفال : أن مذهب مالك بن أنس إباحة الغناء بالمعازف , وحكى الأستاذ أبو منصور الفورانى عن مالك جواز العود , وذكر أبو طالب المكي في « قوت القلوب » عن شعبة : أنه سمع طنبوراً في بيت المنهال بن عمرو المحدث المشهور . وحكى أبو الفضل بن طاهر في مؤلفه في « السماع » : أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود . قال ابن النحوي في « العمدة » : وقال ابن طاهر : هو إجماع أهل المدينة . قال ابن طاهر : واليه ذهبت الظاهرية قاطبة . قال الأدفوى : لم يختلف النقلة في نسبة الضرب إلى إبراهيم بن سعد المتقدم الذكر , وهو ممن أخرج له الجماعة كلهم ( يعنى بالجماعة : أصحاب الكتب الستة , من الصحيحين والسنن ) . وحكى الماوردى إباحة العود عن بعض الشافعية , وحكاه أبو الفضل بن طاهر عن أبى إسحاق الشيرازي , وحكاه الأسنوى في « المهمات » عن الرويانى والماوردى , ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبى منصور , وحكاه ابن الملقن في « العمدة » عن ابن طاهر , وحكاه الأدفوى عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام , وحكاه صاحب « الإمتاع » عن أبى بكر بن العربي , وجزم بالإباحة الأدفوى . هؤلاء جميعا قالوا بتحليل السماع , مع آلة من الآلات المعروفة - أي آلات الموسيقى . وأما مجرد الغناء من غير آلة , فقال الأدفوى في « الإمتاع » : إن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية نقل الاتفاق على حله , ونقل ابن طاهر إجماع الصحابة والتابعين عليه , ونقل التاج الفزارى وابن قتيبة إجماع أهل الحرمين عليه , ونقل ابن طامر وابن قتيبة أيضا إجماع أهل المدينة عليه , وقال الماوردى : لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيها بالعبادة والذكر . قال ابن النحوي في « العمدة » : وقد روى الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين , فمن الصحابة عمر - كما رواه ابن عبد البر وغير- وعثمان - كما نقله الماوردى وصاحب البيان والرافعى - وعبد الرحمن بن عوف كما رواه ابن أبى شيبة - وأبو عبيدة بن الجراح - كما أخرجه البيهقى- وسعد بن أبى وقاص - كما أخرجه ابن قتيبة - وأبو مسعود الأنصاري - كما أخرجه البيهقى - وبلال وعبد الله بن الأرقم وأسامة بن زيد - كما أخرجه البيهقى أيضا - وحمزة كما في الصحيح - وابن عمر - كما أخرجه ابن طاهر - والبراء بن مالك - كما أخرجه أبو نعيم - وعبد الله بن جعفر - كما رواه ابن عبد البر - وعبد الله بن الزبير - كما نقل أبو طالب المكى - وحسان - كما رواه أبو الفرج الأصبهانى - وعبد الله بن عمرو - كما رواه الزبير بين بكار - وقرظة بن كعب - كما رواه ابن قتيبة - وخوات بن جبير ورباح المعترف كما أخرجه صاحب الأغاني - والمغيرة بن شعبة - كما حكاه أبو طالب المكى- وعمرو بن العاص - كما حكاه الماوردى - وعائشة والربيع - كما في صحيح البخاري وغيره . وأما التابعون فسعيد بن المسيب , وسالم بن عبد الله بن عمر , وابن حسان , وخارجة بن زيد , وشريح القاضى , وسعيد بن جبير , وعامر الشعبي , وعبد الله ابن أبى عتيق , وعطاء بن أبى رباح , ومحمد بن شهاب الزهري , وعمر بن عبد العزيز , وسعد بن إبراهيم الزهري . وأما تابعوهم , فخلق لا يحصون , منهم : الأئمة الأربعة , وابن عيينة , وجمهور الشافعية ». انتهى كلام ابن النحوي .
هذا كله ذكره الشوكانى في { نيل الأوطا
ر}
منقول من موقع
http://www.bdr130.net/vb/t264195.html