كلمات قــرأتها فأعــجبتـني



..السلام عليكم و رحمه الله و بركاته..
.. كلمات قرأتها فأعجبتني فوددت أن تشاركوني في قراءتها ..

------------ --------- ---------
.. ๑ஜ๑ حكمة اليوم وكل يوم ๑ஜ๑ ..

كن حذرا ...

من الكريم إذا أهنته ، ومن العاقل إذا أحرجته
ومن اللئيم إذا أكرمته ، ومن الأحمق إذا مازحته
ومن الفاجر إذا عاشرته

أني ذقت الطيبات كلها فلم أجد أطيب من العافية
وذقت المرارات كلها فلم أجد أمر من الحاجة للناس
ونقلت الحديد والصخر فلم أجد أثقل من الدين .

أعلم أن الدهر يوما يوم لك ويوم عليك
فان كان لك فلا تبطر وأن كان عليك
فأصبر فكلاهما سيمر

وأخيرا أسطر لكم هذه الأبيات


صغير يطلب الكبرا .. وشيخ ود لو صغرا
وخال يطلب العملا .. وذو عمل به ضجرا
ورب المال في تعب .. وفي تعب من افتقرا
فهل حاروا مع الأقدار .. أم هم صيروا القدرا

ثلاث قصص.....محمد البساطى


‏1‏ـ عضة كلب
تعمل سهير في إحدي دور النشر‏,‏ وتقيم في شقة صغيرة مع أمها التي انفصلت عن أبيها‏..‏ لا تعرف سبب انفصالهما‏.‏ سألت أمها‏.‏ قالت‏:‏ ـ يا ريتني أعرف‏.‏ كنت استريحت‏.‏
أبوها صعب‏.‏ عكر المزاج‏,‏ يتكتم أسباب الانفصال ولا يحب أن يتكلم عنها‏,‏ وربما لم تكن هناك أسباب‏.‏كل ما في الأمر أنه ضاق بها فقال لها ابحثي لك عن مكان‏.‏ طبعه وتعرفه‏,‏ وأمها أدري به‏.‏ لم تناقشه‏,‏ كانت علي ما يبدو تظنها نوبة غضب وتزول مثل المرات الثلاث السابقة‏,‏ والتي ذهبت فيها للإقامة عند صديقة لها‏,‏ وحين يبلغه الأمر‏,‏ وكانت هي من تبلغه‏,‏ يزفر غاضبا‏,‏ ويتحرك من غرفة لأخري ثم يصيح بها‏:‏
ـ شايفة أمك بتعمل أيه ؟
ـ يعني حاتروح فين ؟
ـ لها أقارب تروح لهم‏.‏
ـ بعد عشرين سنة زواج تروح لهم‏.‏
ـ اتصلي بها ترجع‏.‏
هذه المرة صممت أمها أن يكون لها سكنها‏.‏
وقد كان‏.‏
جمعت ملابسها في حقيبتين‏,‏ وقالت له خلال باب حجرته المغلق‏:‏
ـ حاخد سهير‏.‏
ـ خديها‏.‏
وخرجا معا‏.‏
ربما لم ينتبه لما قاله إلا في اليوم التالي‏,‏ فوجئت به يتصل بها تليفونيا في عملها يسألها أين ذهبت؟
ـ مع أمي‏.‏
ـ فين ؟
ـ عندها شقة قاعدين فيها‏.‏
ـ أجرت شقة‏.‏
ـ آه
أغلق التليفون
يبدو لها حين تتذكر ما جري أنه حدث عقب عضة الكلب‏,‏ ولا تدري لم أحست أنها السبب في انفصالهما‏.‏ كيف ؟ لا تعرف‏,‏ لكنه إحساس ظل يلح عليها‏.‏ كانوا معا عائدين بالقطار من الإسكندرية دخلوا ردهة المحطة الداخلية يسحبون حقائبهم‏,‏ بيد أمها نصف سندويتشلانشون تبقي معها عندما نزلوا من القطار‏.‏ فجأة سمعت زمجرة الكلب‏,‏ ورأته يفلت من يد صاحبه ويقفز نحوهم‏,‏ قذف أبوها بحقيبته في طريقه‏,‏ تفاداها الكلب وواصل هجومه‏,‏ تعثرت أمها صارخة سقطت قاعدة‏,‏ رمت إليه السندويتش‏,‏ غير أن الكلب أطبق أسنانه علي ذيل فستانها فمزقه‏,‏ سحبت ساقها بعيدا‏,‏ الكلب ـ كما رأت ـ هدأ قليلا ثم رأي الساق تتحرك أمامه فعضها‏.‏
يومها ترك أبوها الحقائب مع شيال في المحطة‏,‏ رفع أمها وساعدته امرأة من عاملات النظافة‏,‏ حملهم التاكسي إلي المستشفي‏.‏
قرروا إعطاءها عددا من الحقن‏.‏كل يوم واحدة‏.‏ ولف الطبيب الشاش حول العضة بساقها‏.‏ بعد أسبوع وكانت ممدوة بالسرير راحت تفك الرباط‏:‏
ـ الدكتور قال حاتترك أثرا يروح بعد شوية‏.‏
كانت تكلم أباها الواقف بجوار الفراش ينتظر‏.‏ قال في ضيق‏:‏
ـ كل ده رباط
ـ خلاص آهه‏.‏
بدت البقعتان داكنتين ببشرتها البيضاء‏.‏ ظهرت ملامح قرف علي وجه أبيها‏.‏ ضغطت أمها بطرف اصبعها علي البقعتين ونظرت إلي أبيها في تردد‏.‏ قالت‏:‏
ـ خلاص‏.‏ راحت بص مفيش وجع‏.‏
نظر إلي الساق الممدودة مرة أخري‏.‏ انتبهت أمها إلي نظرته‏.‏ غطت مكان العضة وخفضت رأسها‏.‏
استدار أبي وخرج من الحجرة‏.‏ ليلتها طلب من أمها علي ما يبدو أن تنام مع ابنتها‏.‏ فوجئت بها تدخل حجرتها ووجهها منقبض وتمددت بجوارها دون كلمة‏.‏ أسبوع وهي تنام في حجرتها‏.‏ ونقلت بعض ملابسها إلي دولابها‏.‏ هي في السابعة عشر بما يجعلها تلاحظ أنه لم يقربها طول الأسبوع في الأيام الأخري كانت تحس ببهجة أمها وهي تغادر الحجرة في الصباح‏,‏ وتغلق بابها دون صوت‏,‏ وبعد حمامها تأتي إلي المطبخ تقف بجوارها لتعد الفطور لأبيها‏.‏
هي فرحة لأمها‏,‏ تقول‏:‏
ـ استريحي أنت وأنا أجهز لكما الفطور‏.‏
ـ أنا صحيت خلاص‏.‏
اعتادت خلال هذا الاسبوع أن يخرج كل يوم ويتناول غداءه قبل أن يعود للبيت‏.‏ وفي وجبة العشاء تعد أمي طبق السلطة التي يحبها‏,‏ وتحمل هي الصينية إلي غرفته‏.‏ يسألها‏:‏
ـ مين عمل السلطة‏.‏
ـ أمي‏.‏
ـ خديها‏.‏ خذي الصينية كلها واعملي لي سندويتش جبنة رومي‏.‏
هما وحدهما في الشقة ولا تفصح عن سبب انفصالهما‏.‏ بدا أنها تعرف وتتكتم‏.‏ تقول‏:‏
ـ أبوك‏.‏ وانت عارفاه‏.‏ طول عمره كده‏.‏
تقعد في الفراش وتمد ساقها المعضوض في الشمس‏.‏ تقول‏:‏
ـ راحت‏.‏
هي بجوارها‏.‏ تنحني وتنظر‏.‏ تقول أمها‏:‏
ـ بصي‏.‏ باقي حاجة بسيطة‏.‏ بكرة تروح
وتقول مبتعدة‏:‏
ـ موش باينة‏:‏
ـ خفيف‏.‏
ـ اللي عايز يشوفها حايشوفها‏.‏
في كل مرة تعود من العمل تنظر أمها إلي وجهها تبحث عن أخبار جديدة‏.‏ في النهاية تسألها‏:‏
ـ أتصل بك ؟
وتقول انه لم يتصل‏.‏
تسألها إن كانت تريدها أن تتصل به ؟
ترفض‏.‏
تقترح عليها الخروج‏.‏
ـ نروح فين ؟
ـ نتمشي‏.‏ نتعشي بره‏.‏ ونشوف المحلات‏.‏
ـ ماليش نفس‏.‏ اخرجي أنت‏.‏
ـ لوحدي ؟
ـ طيب‏.‏ أخرج معاك‏.‏
لها ساقان جميلتان‏.‏ بشرتها بيضاء ناصعة‏.‏ جيبتها وفساتينها تتوقف عند الركبة‏.‏ تخطر في مشيتها مزهوة بهما‏.‏
نظرت إلي الفستان الذي ستلبسه والتفتت إلي ساقها المعضوض‏.‏ قالت‏:‏
ـ ودي أخفيها ازاي ؟
ـ البسي حاجة طويلة‏.‏
ـ ماعنديش‏.‏
ـ بنطلون‏.‏
ـ عمري ما لبسته‏.‏
ـ لما ننزل نشتري واحد أو اثنين‏.‏
ـ عمري ما لبسته‏.‏
ـ جربي‏.‏ مريح‏.‏
ـ طيب‏.‏
ونظرت إلي ساقيها بأسف‏.‏
تعود من الخارج متعبة‏.‏ تشطف نفسها‏,‏ تستلقي في الفراش وتروح في النوم‏.‏
كانت في الأربعين‏,‏ تذوي يوما بعد يوم‏.‏ وماتت دون ضجة في الليل‏.‏ لم تشعر بها‏.‏ كانت في قعدتها أمام التليفزيون‏.‏ مالت علي جنبها‏,‏ وراحت‏.‏
تذهب إلي بيت أبيها لترتيبه‏,‏ لا يتحمل وجود الخادمات‏,‏ بعد رحيل أمها أخذ حقنة خطأ وأصيب بشلل نصفي‏,‏ يتحرك علي مقعد بعجلتين‏,‏ وكان هناك أمل في شفائه مع العلاج الطبيعي‏,‏ لم يكن مهتما‏.‏ وكانت تلح عليه لتأخذه إلي جلسة العلاج بالمستشفي حتي بدا لها انه مستريح لوضعه‏.‏
يسألني عن أمي‏,‏ وإن كانت مرضت ؟
ـ أبدا‏.‏ قبل ما تموت بأسبوع اشترت بنطلونا‏.‏
ـ معقول؟ وكان شكلها ايه؟
ـ مالحقتش تلبسه‏.‏
ـ آه‏.‏
في لحظة تجرأت وسألته عن أسباب انفصالهما ؟
ظهرت تكشيرة علي جبهته‏.‏ قال ؟
ـ فيه حاجات عيب تسألي عنها‏.‏
ـ أنا بنتك وبنتها يبقي فين العيب ؟
رمقها بنظرة غاضبة ولم يجب‏.‏
قالت وقد أحست أنها تتهور‏.‏
ـ ويمكن مفيش أسباب‏.‏
ـ اسكتي‏.‏
وسكتت‏.‏
حين ذهبت في المرة الثانية لترتيب البيت طردها‏.‏ صاح في غضب عنيف‏:‏
ـ غبية‏.‏
ـ أيه‏.‏ جري أيه؟
ـ حاجة في مكانها‏.‏ سيبيها في مكانها‏.‏ نظارة هنا‏.‏ قلم هنا‏.‏ كتاب هنا‏.‏ تنقليه من مكانه ليه ؟
ـ برتب الفوضي اللي أنت عايش فيها‏.‏
ـ ترتبي وأدوخ أنا‏.‏ عارف مكان كتاب كذا وأروح له‏.‏ موش لاقي حاجة‏.‏ عارف مكان النظارة وأروح له‏.‏ موش لاقي‏.‏ ويروح اليوم وأنا بدور عشان حضرتك بترتبي‏.‏ أمشي‏.‏ ما تيجيش تاني‏.‏
ومشت‏.‏ لم تغضب‏.‏ لكنها كانت مكسورة الخاطر‏.‏ بكت في عودتها‏.‏ هي أخطأت‏.‏ كان يجب أن تعرف أهمية بقاء الأشياء في مكانها بالنسبة له‏.‏ وفكرت أن تكلمه في التليفون تطلب العودة لترتيب البيت‏,‏ وخشيت رفضه‏.‏
بعدها بشهر جاءها الحارس بخبر موته‏.‏
قال إنه صعد إليه في الصباح بالجرائد‏.‏ وجد باب الشقة مواربا علي غير العادة‏.‏ ضغط الجرس مرة والثانية ولا أحد يرد‏.‏ دفع الباب ودخل‏.‏ وجده كالنائم في المقعد علي بعد خطوتين ورأسه مائل علي صدره‏.‏
ـ ويظهر والله أعلم أنه أول ما حس بالأزمة‏.‏ كان عنده أزمات موش كده؟
ـ ماكانش بيقول‏.‏
ـ أول ماحس بها فتح الباب عشان أعرف أدخل‏.‏ آه‏.‏ كان منتظرني‏.‏
‏2-‏ البغل وصاحبه
ظهر رجل في بلدتنا‏,‏ لايعرف أحد من أين جاء‏.‏ كل ما يملكه من الدنيا بغل‏.‏ وضع علي ظهره سرج حصان تكسوه قطيفة ناعمة‏.‏ يحممه كل نهار أمام عشته علي شاطئ الترعة‏,‏ ويدعك بدنه بالقش‏,‏ أعلن عن نيته تأجير البغل لنساء البيوت حين يرغبن في الخروج ليلا لزيارة أقاربهن والعودة‏.‏ كان ذلك يتيح للزوج البقاء في البيت أو الخروج للسهر مع أصحابه‏,‏ ولايعطي فرصة للرجال علي المقاهي لمعرفة المرأة والكلام عنها وهي علي ظهر البغل بدون زوجها‏.‏
البغال يقضي النهار أمام عشته يمص القصب‏.‏ ربطة من عشرة عيدان يأتي عليها في ساعة من النهار‏.‏ ويحمل المصاصة ويلقي بها في خرابة غير بعيدة فتأخذ الذباب معها‏.‏ يتمطع ويرقد في تعسيلة قصيرة‏,‏ وقبل أن تعتم يأخذ غطسا في الترعة‏.‏ ويلبس جلبابا نظيفا يعلقه علي مسمار في العشة‏,‏ ويأتي بمقعد من الخشب يجلس عليه في الخارج منتظرا الزبائن والبغل بجواره يمضغ ما يوضع أمامه‏.‏ في البداية لم يلتفت إليه أحد‏.‏ إلي أن قام واحد من أعيان البلدة بتأجيره‏.‏ وكثر طلبه‏.‏ كان يوقف البغل أمام باب البيت ويعطيه ظهره‏.‏ تخرج الزوجة ملتفة بملاءتها‏,‏ ويضع الزوج مقعدا صغيرا فوق العتبة‏.‏ تصعد عليه مستندة إلي كتفه وتمتطي البغل‏.‏ ويقول الزوج لصاحبه‏:‏
ـ ترجع بعد ساعة‏.‏
ويخرج صوتها من داخل الملاءة‏:‏
ـ بعد ساعتين‏.‏
ـ خلاص‏.‏ بعد ساعتين‏.‏
استخدمه أبي ثلاث مرات‏,‏ إلي أن وقعت الواقعة‏.‏ أبصر واحد من الأهالي البغل شاردا في الليل علي حافة حوض ذرة‏.‏ اقترب منه لمح شواشي الأعواد تتمايل في بقعة غير بعيدة عن شط الحوض ظنه نمسا يداعب آخر‏.‏ كاد ينصرف غير أن وجود البغل غير رأيه‏.‏ أزاح الأعواد ورآهما صاحب البغل وامرأة تحاول أن تغطي ساقيها وتصرخ‏:‏
ـ ياخرابي‏.‏ حايفكر أننا بنعمل حاجة‏.‏
ضرب الرجل البغال علقة ساخنة وشج رأسه بحجر‏,‏ أخذهما والبغل إلي بيت العمدة‏.‏
وكانت فضيحة‏.‏ المرأة كان يشاع عنها كلام كثير‏.‏ والبغال قال هي التي أغوته قالت له إنها لم تجرب أبدا النوم في الذرة‏.‏ تسمع عنه ولم تجربه‏.‏
وسألته إن كان صحيحا مايقال أن فيه فئرانا؟
وقال لها إن الذرة لايوجد بها فئران‏.‏
وقالت‏:‏ طيب‏.‏ أبص بصة‏.‏ أشوف كلامهم صح ولا لأ
قالتها مرتين‏.‏ والرجل منا موش حجر
صفعه العمدة في عنف‏:‏
ـ لأ حجر يا ابن‏....‏
أرسلهما في نفس الليلة إلي نيابة المركز‏,‏ واحتفظ بالبغل‏,‏ غير أن سكرتير النيابة طلب منه في الصباح إرسال البغل‏.‏
جن جنون أبي‏.‏ وانهال ضربا علي أمي‏:‏
ـ وجربت النوم في الذرة أنت كمان؟
يستريح قليلا ويعود إلي ضربها‏,‏ ترفع ذراعها لتتقي ضرباته‏,‏ يدهشني أنها تستطيع أن ترفعه بيديها وتضربه في الحائط ولاتفعل قعد فجأة في ركن الحجرة يلهث‏:‏
ـ بغال‏.‏ يا فضيحتي‏.‏
كنت منزويا أرقبهما‏.‏ لا أحاول الاقتراب‏,‏ فكثيرا ما نالتني ضربات وركلات من أبي‏.‏ هي أيضا كانت تدفعني بعيدا قالت‏:‏
ـ خلاص‏.‏ استريحت؟
كنت لحظتها أفكر كم واحدة ركبت البغل في البلدة وتضرب الآن مثل أمي؟
وخرجت من الحجرة‏.‏
‏3‏ـ الخادمة
كان عندنا في البيت خادمة صغيرة‏.‏ زبيدة في الثانية عشرة‏.‏ شاطرة وتحبها أمي‏.‏ شايلة البيت كله يناديها أبي عندما يريد شيئا‏.‏ ويجب أن يناكدها‏.‏ يتقبل هزارها ويسعي إليه‏.‏ قالت له مرة‏.‏
ـ وتلبس شراب وجزمة كمان؟
ـ وعايزاني أعمل إية؟
ـ تلبس الشراب وتشيل الجزمة في ايديك‏.‏
وتضحك مسرعة في الابتعاد
تبيت عندنا‏.‏ فرشتها في الحوش‏.‏ تمر عليها أمي قبل أن تدخل حجرتها‏.‏ تغطي ماتكشف منها أثناء النوم‏,‏ ودائما تجد بقية من عشائها في طبق بجوارها‏.‏ وتجد أيضا فمها ممتلئا بالأرز أخدها النوم وهي تأكله‏.‏ تفرغ فمها والبنت مستغرقة في نوم ثقيل بين يديها‏.‏ تصب في فمها جرعة ماء تشرق البنت وتسعل‏.‏ تخبطها أمي علي ظهرها حتي يتوقف السعال وتنتظم أنفاسها‏.‏ تعيدها للفرشة‏.‏
يعمل أبوها باليومية‏.‏ ويقيم في بيت صغير بالقرب منا‏.‏ حين ماتت أمها أراد أن يأخذها‏.‏ قال‏:‏
ـ آهي ونس‏.‏ وتشتغل معنا في الغيطان تجيب قرشين‏.‏
قالت أمي‏:‏ حاعطيك تلات أضعاف اللي حاتخده في الغيطان‏.‏رسم الرجل خطوطا بعود قش في الأرض‏.‏ كان قاعدا بجوار العتبة مستندا بظهره للحائط‏:‏
ـ اللي تشوفيه ياست أم يوسف
ـ ولما تعوزها أبعتها لك‏.‏
ـ اللي تشوفيه‏.‏
ـ ولو اتجوزت وهي عندي حا أقوم بكل تكاليفها‏.‏ هدوم‏.‏ فرش‏.‏ مصاغ‏.‏
ـ كتر خيرك
عام ومرض الرجل‏,‏ بلهارسيا وكبد وخلافه‏.‏ وقعد في البيت‏.‏ ترسل له أمي وجباته مع زبيدة التي أقامت عنده لترعاه في مرضه كانت تمر علي أمي كل صباح منتفخة العينين تسألها إن كانت تريد أن تشتري لها شيئا من السوق‏.‏
شهر‏.‏ ومات
وجاءت عمتها بعد الدفنة‏.‏ امرأة بمقعدة ضخمة‏,‏ والملاءة مطوية علي كتفيها علامة عن استعدادها للشجار‏.‏ وأمي لاتعرف الشجار ولا أصوله‏.‏ وضعت قدمها فوق العتبة وزعقت‏:‏
ـ يااللي هنا
خرجت أمي إليها‏.‏ قالت المرأة في شخط‏:‏
ـ فين زبيدة؟
ـ موجودة‏.‏
ـ ما أنا عارفة أنها موجودة‏.‏ هاتيها‏.‏
ـ أجيبها فين؟
ـ حاخدها‏.‏ أنا عمتها وكلمتي اللي تمشي‏.‏ بتعمل إيه عندك؟
البنت قاصر‏.‏ وكلمة عمتها اللي تمشي‏.‏ ولاحيلة لنا
قالت أمي‏:‏ البنت مستريحة هنا‏.‏ خليها‏.‏
ـ وأخليها ليه؟ حاتستريح عندي برضه‏.‏ أنا أحق بها‏.‏ تخدمني بدل الاغراب‏,‏ وفيه حكومة تديني الحق ده‏.‏
ـ وعلي أيه الحكومة‏.‏ انا كنت بدفع للمرحوم راتب لها‏.‏ قرشين للزمن ينفعوها‏.‏
ـ كنت بتدفعي له كام؟
زبيدة متوارية خلف باب الحجرة‏.‏ وأنا بالقرب منها وبيدي مقشه بلح إذا ماحاولت المرأة الاعتداء علي أمي‏.‏
وذكرت لها أمي الراتب وقد خطر لها فجأة أن تنقص للنصف
وقالت المرأة‏:‏ بس كده‏.‏ ماينفعش معاي‏.‏
وطلبت ضعف ما قالته أمي‏.‏ وأمي سكتت‏.‏ هزت رأسها كأنما تفكر‏,‏ ثم قالت‏:‏
ـ طيب‏.‏ ماشي‏.‏
ـوأنا اللي حاجي آخد الراتب‏.‏ وتخلي بالك من البنت‏.‏ ماتزعلهاش‏.‏ هي فين؟
ـ علي السطح بتنشر الغسيل‏.‏
ـ سبيها تنشر‏.‏
وانصرفت‏.‏
أمي لم يعجبها ماجري‏.‏ ولا أبي صعب عليها حال البنت‏.‏ كل تحويشتها للزمن ستأخذه عمتها‏.‏
والحل؟
كانت وأبي في لحظة صفاء يشربان الشاي في الحجرة‏,‏ ويتبادلان الكلام‏.‏ سمحا لي بالبقاء لمراجعة دروسي بالقرب منهما‏.‏ قالت أمي‏:‏
ـ خدني علي قد عقلي‏.‏
ـ قولي
ـ من غير غضب ولاشتيمة‏.‏
ـ أنت فاكر سامية؟
ـ سامية قريبتك‏.‏ دي في القاهرة
ـ آه هناك‏.‏ لو بعتنا لها زبيدة؟ هي من فترة طلبت مني أشوف لها بنت‏.‏ قلت إيه؟
ـ والله ماعارف‏.‏ أنت أفكارك دايما تجيب المتاعب
ـ متاعب فين؟
ـ ولما عمتها تسأل عليها؟
ـ ولا نعرف مشت لحالها‏.‏ حاتزعق زعقتين‏.‏ نقفل الباب في وشها‏.‏ وخلاص حاتعمل إيه؟
ـ ونكتب لزبيدة العنوان في ورقة‏.‏ ومعاها جواب لقريبتك قومي شوفي هدومها وأعملي لها لقمة تأكلها في السكة‏.‏
ـ البنت حاتوحشني‏.‏
ـ وأنا كمان
وأعدت أمي هدومها في كيس‏.‏ وحتي لا يرانا احد ويبلغ عمتها‏,‏ أخذتها مع طلعة النهار الي محطة القطار‏.‏ وقطعت لها التذكرة
ومشت‏.‏
سنين ولا يأتينا عنها خبر‏.‏ وسامية قريبة أمي أخبرتنا في خطاب أنها لم تصل إليها‏.‏ قلقنا عليها‏,‏ وسكتنا‏.‏ قالت أمي‏:‏
ـ لو حاجة وحشة لاقدر الله كنا عرفنا‏.‏
قال أبي‏:‏ ـ وتعرفي إزاي؟
ـ كانوا حايبلغونا‏.‏
ـ ويبلغونا إزاي؟
ـ أولاد الحلال كتير‏.‏
ـ أنت وأفكارك
وشوفوا الصدفة‏.‏ وأنا طالب بالجامعة وماشي قرب ميدان التحرير وأسمعه اللي بيناديني‏:‏
ـ أستاذ يوسف‏.‏ أستاذ يوسف
التفت‏.‏ واحدة في العشرين تسرع نحوي‏,‏ تعلق حقيبة اليد علي كتفها‏.‏ ويداها ممدودتان إلي‏,‏ سلمت عليها‏.‏ عيناها علي وجهي وتبتسم‏:‏
ـ موش فاكرني؟ أنا زبيدة
ـ زبيدة ياخبر‏.‏ أنت فين؟
كبرت‏,‏ ولها صدر امرأة وجهها مصبوغ بالألوان‏.‏ والبلوزة مفتوحة من أعلي تكشف اعلي صدرها‏.‏
أحست بنظرتي‏,‏ وأغلقت الزر الأخير‏,‏ قلق خفيف بدا علي وجهها‏.‏ قالت ضاحكة‏:‏
ـ عرفتك أول ماشفتك‏.‏ ماتغيرتش لما كبرت‏.‏
ـ ولا انت‏.‏
ـ لأ‏.‏ أنا تغيرت كتير‏.‏
أخرجت منديلا من حقيبتها‏.‏ رفعته إلي وجهها‏.‏ أرادت فيما يبدو أن تزيل الألوان عن وجهها‏,‏ تراجعت يدها‏:‏
ـ وازي الست أم يوسف؟
ـ بخير‏.‏ والوالد بخير‏.‏ دخنا عليك معرفناش مكانك‏.‏
ـ اسكت‏.‏ موش تهت
ـ معقول؟
ـ العنوان في الورقة وظهر أني رحت شقة غير الشقة‏.‏ وبيت غير البيت‏.‏ نصيب‏..‏ حظي كده‏:‏
الست في الشقة أخذتني عندها قالت لي لسة حاتدوري في الحر ده خليك هنا‏.‏ جابت لي هدوم حلوة جديدة‏.‏ واخذتني من ايدي شوفي دي اوضتك فيها سرير ودولاب وتسريحة حلوة قوي وقعدت معاها‏.‏
ـ مستريحة؟
ـ آهي ماشية
نظرت إلي ساعة يدها‏:‏
ـ هي اللي جابتها لي‏.‏ والغوايش اتنين ذهب عيار‏42.‏ وحلق‏.‏ شوف‏.‏ وخاتم‏.‏ كل كام يوم تشتري لي حاجة‏.‏
سكتت‏.‏ رمقتني في وداعة‏.‏ تنتظر علي مايبدو أن أتكلم‏.‏ أرمقها صامتا‏.‏ ابتسمت لها‏.‏ بادلتني الابتسام‏.‏
قالت‏:‏ أمشي بقي‏.‏
وظلت واقفه قالت‏:‏ ـ لما تروح البلد يا استاذ يوسف سلم لي كتير علي الست الوالدة‏.‏ وقل لها انني بخير ومبسوطة ومسير الحي يتلاقي‏.‏ واستدارت مبتعدة‏

.........حكاية أثناء النوم


فجأة قرر حاكم مصر أنه يريد برلمانا بلا معارضة، فجأة قرر أنه لا يرغب فى سماع أصوات تزعجه، فجأة شعر أن اللعبة الديمقراطية لم تعد تبهجه، فجأة شعر أن المصريين لم يعودوا يستحقون الحرية التى كان يعتقد أنه الذى منحها لهم، ولذلك أصدر أوامره إلى رجاله فى الإدارة والأحزاب معا بأن ينفذوا رغبته بأى شكل، حتى لو كانت الطريقة مزرية وقميئة ولا أخلاقية.

لا أحد يعرف متى جاءه هذا القرار بالضبط؟، ولا من الذى أشار به عليه؟، ولا كيف شعر أن حلفاءه الغربيين لأسباب تخصهم لن يكونوا مهتمين بأى تزوير يحدث فى الانتخابات؟، لا أحد سأله هل درس هذا القرار جيدا؟، هل فكر فى أن انفراده بالسلطة سيكون حقا فى مصلحة البلاد؟، هل أدرك كم هو موحش وخطير ألا يسمع الحاكم إلا أصداء صوته؟، بالطبع لم يفكر أحد من رجاله فى الحصول منه على إجابة لأى من تلك الأسئلة، فهم جميعا يعلمون أنهم خلقوا فى دنياه لكى يطيعوه، كل ما كان يهمهم أن ينالوا رضاه حتى لو استحقوا سخط الله وسخط الناس، للأمانة هم لم يكونوا يخافون من سخط الله فهم يعتقدون أنه غفور رحيم يمكن أن يسامحهم لأنهم عاثوا فى البلاد فسادا فقط إذا تقربوا إليه بعدد من الحجات والعمرات والصدقات، وهم أيضا لم يكونوا يرون أن الخوف من سخط الناس أمر يستحق أن تلقى إليه بالاً، فالناس لن يعرفوا مصلحتهم مثل ما يعرفها الحاكم ورجاله.
يومها صدرت الأوامر بأن يسقط كل رموز المعارضة فى دوائرهم أيا كان الثمن، وكان رجال الإدارة يقولون للناس جهاراً نهاراً إنه ليس من المعقول أن نخالف الأوامر السامية بعد كل ما قدمه القصر للبلاد، وإنه يجب أن يعلم الجميع أن جلالة الملك الشاب لن يفتتح برلمانا فيه معارضون يكرههم أبوه جلالة الملك فؤاد.. لماذا أنت مستغرب؟، أنا أحدثك عن انتخابات عام 1938 التى جرت فى ظل عهد الملك الشاب القادم حديثا من الخارج بعد سنوات من التعليم قضاها فى لندن، هل ظننت أننى أتحدث عن أحد آخر أو عن انتخابات أخرى لا سمح الله؟.

هل كان ينبغى أن أخبرك بذلك من الأول، لأنك شأن الكثير من أبناء بلادنا حكاماً ومحكومين لا نحب قراءة التاريخ ونستثقل دمه ونظن أن التاريخ ليس سوى أرقام سنوات مرتبطة بأحداث وأسماء حكام نحفظها لكى نصبها على ورقة الامتحانات ونحن تلاميذ، ولا ندرك أن التاريخ يحمل إجابات لكل أسئلة الواقع ولكن لمن أراد لها حلا.
عموما أنت تعلم عماذا أتحدث الآن، لكن هل تعلم أن تلك الانتخابات شهدت واقعة برلمانية غير مسبوقة فى تاريخ المجالس النيابية فى العالم كله، يومها كان حزب الوفد حزبا عظيما وليس «هفقا»، وكان يرأسه زعيم عظيم ملو مركزه اسمه مصطفى النحاس كان المصريون يعتبرونه زعيمهم الحقيقى، ولذلك عندما أصدر الملك أوامره لرئيس وزرائه على ماهر بضرورة إسقاط النحاس شخصيا فى دائرته سمنود بالغربية لتمريغ أنف الوفد فى التراب، قرر الوفديون أن يتحدوا إرادة الملك بحيلة غير مسبوقة اقترحها شاب انضم إلى الوفد حديثا اسمه فؤاد سراج الدين، كانت الفكرة أن يتقدم النحاس فى آخر لحظة قبل قفل باب الترشيح بأوراقه كمرشح فى دائرة أخرى اسمها الزعفران يضمن سراج الدين بحكم ما له فيها من أطيان وأنصار ألا يتقدم فيها مرشح منافس للنحاس أبدا.
وبالفعل تقدم سراج الدين بأوراق ترشيح النحاس فى الساعة الخامسة إلا خمس دقائق من يوم قفل باب الترشيح وتأكد من قفل باب الخزينة دون أن يتقدم للنحاس منافس فى الدائرة، وعندما وصل الخبر إلى القصر صدر أمر من فريد أبوشادى، مدير الغربية المنتدب، بفتح الخزينة وإحضار أى شخص من البلد وتقديم أوراق ترشيح له ودفع أى تأمين فورا حتى لو كان هذا الرجل نكرة لا يعرفه أحد، وبالفعل لم يعدم رجال القصر شخصا يبيع نفسه من أجل المال، والشهرة أيضا، فهو سيكون منافسا للنحاس باشا بجلالة قدره، وكتب التاريخ تقول إن هذا الشخص اسمه محمد سعيد، لكنها لا تذكر عنه أى معلومات أخرى، ربما لأنه لم تكن لديه فعلا معلومات أخرى يمكن أن يذكرها أحد، وربما لذلك قال فؤاد سراج الدين للنحاس إن ما حدث أمر ليس له أى قيمة لأن كل مَن فى الدائرة هم إما مستأجرون لديه أو عمال فى مزارعه، وأنهم جميعا يحبون النحاس ولن تجدى أى ضغوط تمارس عليهم.
فى يوم الانتخابات شهدت مصر مهازل لم يسبق لها مثيل فى تاريخ برلماناتها، وصلت إلى حد أن يقوم شيخ بلد كفر الثعبانية أحد أكبر مراكز دائرة سمنود ومعه عدد من الخفراء
(الذين كانوا يلعبون دور البلطجية يومها)
باقتحام سيارة النحاس أثناء توجهه لتفقد الدائرة، وقاموا فى حضوره بضرب مندوبه فى الكفر بهراوة على رأسه، ثم اختطفوه فى حضور النحاس المذهول مما يجرى، وعندما ذهب النحاس إلى وكيل النيابة الذى يراقب الانتخابات وأبلغه بأن شيخ البلد نبيل غنيم قام بكذا وكذا، تم استدعاء شيخ البلد الذى أنكر ما حدث جملة وتفصيلا، بل وقام بإحضار فلاح طاعن فى السن يرتدى ملابس بالية وقال إنه والد مندوب النحاس، وعندما سألوه عن مكان ابنه قال لهم إنه مسافر إلى القاهرة منذ يومين، قالوا له لكن النحاس باشا يقول إن ابنك كان معه وتم شج رأسه وخطفه، فأنكر الأب ذلك تماما، ووجد النحاس نفسه يواجه تهمتى الكذب وإزعاج السلطات، لولا أن وكيل النيابة كان رجلا شريفا وأدرك ما حدث فأغلق المحضر.
كانت الأخبار تتوالى إلى قيادة الوفد من جميع أنحاء البلاد بسقوط قتلى وجرحى على أيدى رجال البوليس، واختطاف صناديق الانتخابات من داخل مراكز الاقتراع، والاعتداء من قِبَل الخفر والعساكر على رجال الوفد الذين حاولوا حماية الصناديق بشراسة وقرروا الاستمرار فى ذلك مهما كلفهم من تضحيات.
وعندما وصل إلى النحاس أن عددا من كبار رجال الوفد الذين كانوا ينجحون فى كل انتخابات بالتزكية مثل مكرم عبيد فى قنا وعبدالفتاح الطويل فى الإسكندرية وأمين الوكيل فى دمنهور وأمين الإتربى فى أخطاب تم الإعلان عن سقوطهم بنتائج مزرية، أصدر النحاس أوامره إلى كل رجال الوفد بأن ينصرفوا فورا ويتركوا صناديق الانتخابات لرجال البوليس والإدارة لكى يزوروا فيها كما يشاءون.
عاد النحاس إلى القاهرة وبدأت تتوالى تباعا نتائج سقوط مرشحى الوفد والمعارضة فى كل الدوائر، وبقيت دائرتا سمنود والزعفران اللتان ترشح فيهما النحاس فلم تعلن النتيجة فيهما، ويقولون إن على ماهر كان يحاول إقناع الملك بضرورة إعلان نجاح النحاس فى إحداهما غسلا لسمعة البرلمان القادم، لكن إرادة الملك تغلبت وصدر فى ساعة متأخرة من الليل بيان من الداخلية يعلن أن النحاس زعيم الأمة سقط فى دائرتى سمنود والزعفران، أى أن الشعب المصرى قرر من أجل مستقبله أن يختار محمد سعيد بدلا من مصطفى النحاس.
يومها لم يسقط النحاس وحده فقط، بل سقط كل رجال المعارضة الذين قدموا أداء نيابيا راقيا كانت مصر تفتخر به وقتها، وفى المقابل شهد ذلك المجلس أعلى نسبة من كبار ملاك الأراضى قياسا على الهيئات البرلمانية السابقة، بل ووصلت نسبتهم فى الوزارة، التى تشكلت عقب الانتخابات إلى 66 فى المائة من الوزراء كما يقول الدكتور عاصم الدسوقى فى دراسته عن دور كبار الملاك فى الحياة السياسية المصرية، وهى نفس الوزارة التى قام بتشكيلها محمد محمود باشا، رئيس حزب الأحرار الدستوريين، الذى كان يضم أكبر عدد من المثقفين المدافعين عن الليبرالية والديمقراطية والتقدم.
وبرغم رضا وزارته بأن تكون ألعوبة فى يد الملك لضرب إرادة الشعب فقد أصر الملك على إهانتها بأن رفض قائمة الوزراء التى تقدم بها محمد محمود عشر مرات ولم يقبل بها إلا فى المرة الحادية عشرة لكى يوصل رسالة قوية إلى البلاد كلها بأنه لن يسمح بأن يعلو صوت فوق صوته.
لا شك أن الملك كان سعيدا جدا للغاية فى تلك الأيام، لا شك أنه كان يضحك ملء شدقيه، لا شك أنه كان يشعر أنه قام بضرب قادة المعارضة على أقفيتهم، لا شك أن أجهزته الأمنية كانت ترفع له تقارير عن غيظهم وحنقهم وخيبة أملهم، لا شك أنه لم يفكر ولو للحظة فى خطورة ما فعله على مستقبل البلاد لأنه يرى أنه هو وحده مستقبل البلاد، لكن يا ترى هل تذكر الملك كل ذلك وهو يبحر فوق يخته الملكى مطرودا من عرشه وبلده بعد قيام ثورة يوليو التى بدورها استغلت ذلك النوع من الانتخابات ذريعة لإلغاء التمثيل النيابى كله على بعضه؟ يا ترى هل قال الملك لنفسه ما الذى كان سيجرى لو احترمت إرادة الأمة ولم أحول الديمقراطية إلى لعبة سخيفة ولم أسحق الفقراء والبسطاء لصالح الأغنياء والإقطاعيين؟

هل فكر الملك فى ذلك كله؟ لا أحد يعلم ذلك إلا الله، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون

الكاتب
بلال فضل
الأثنين 6-12-2010