هوامش حرة
من يراقب أداء الحكومة ؟
يكتبها: فاروق جـــويـدة
من يراقب أداء الحكومة ؟
يكتبها: فاروق جـــويـدة
جريدة الاهرام المصرية
ملحق الجمعة
20/2/2009
منذ سنوات ليست بعيدة تم إلغاء بعض الأجهزة الرقابية في مصر من أجل مصالح بعض رجال الأعمال, وكانت سابقة خطيرة في تاريخ مصر مع الرقابة الحكومية.. والمفروض أن الأجهزة الرقابية في أية دولة تعمل وفق قواعد قانونية ونصوص دستورية من أجل حماية أموال الشعب.. وإذا كان من حق الحكومة أن تمارس اختصاصاتها وتؤدي عملها.. فإن مسئولية الأجهزة الرقابية أن تراقب هذا الأداء ولا ينبغي أن يكون هناك تعارض بين أداء الحكومة ورقابة الأجهزة الرقابية, ولكن السنوات الأخيرة شهدت حالة اشتباك دائمة وصلت إلي درجة الصدام بين الحكومة والجهاز المركزي للمحاسبات..
والمفروض أن تكون العلاقة بينهما علي قدم المساواة خاصة إذا أدركنا أن الجهاز المركزي للمحاسبات يخضع لرئيس الدولة من الناحية الإدارية ويرأسه مسئول بدرجة نائب رئيس وزراء وقد أخذ الصدام بين الحكومة والجهاز عدة أشكال وصور مختلفة.. بل إنه تحول إلي خلاف علني داخل مجلس الشعب وانتقل إلي صفحات الجرائد ووسائل الإعلام وكان الرد الحكومي عنيفـا وفيه قدر كبير من التجاوز والرفض..
* في العام الماضي بدأ الصدام بين د. جودت الملط رئيس الجهاز ود.يوسف بطرس غالي وزير المالية.. ويومها افتقد وزير المالية الكثير من التواضع وهو يرد علي ملاحظات الجهاز أمام مجلس الشعب.. ونسي وزير المالية أنه يتحدث باسم حكومة مسئولة وأن واجبه أن يوضح للشعب كل ما جاء في تقرير الجهاز حول الكوارث المالية التي ذكرها التقرير ابتداء بمتأخرات رجال الأعمال لدي مصلحة الضرائب وهي تتجاوز40 مليار جنيه وانتهاء بسوء الأداء وإهدار المال العام في الوحدات الاقتصادية والزيادة الرهيبة في حجم الدين العام داخليا وخارجيا..
لم يحاول وزير المالية أن يواجه الحجة بالحجة, ولكنه تصرف بمنطق من يدير مشروعا خاصا أو مؤسسة يملكها.. وانتهت هذه المواجهة بعد أن تركت ظلالا كثيفة من الحساسية الشديدة بين الحكومة والجهاز المركزي للمحاسبات.. وكنت أتصور أن تبدأ الحكومة صفحة جديدة هذا العام حتي لا تصل الأمور إلي صدام جديد..
والحقيقة أن ما حدث بين وزير المالية ورئيس الجهاز ما هو إلا حلقة من سلسلة من التجاوزات من وزير المالية لم يكن آخر فصولها ما حدث من أزمات مع موظفي الضرائب العقارية أو ما حدث أخيرا مع الصيادلة نتيجة سوء الاختيار والتسلط من بعض أجهزة وزارة المالية.. أو ما حدث مع أصحاب المعاشات.. إنها سلسلة من الأخطاء والتجاوزات كانت سببا في أزمات حادة بين الدولة والمواطنين, وكان من الممكن مواجهتها بقدر من الحكمة والاتزان, وفي تقديري أن هذا هو الدور المطلوب من رئيس الحكومة د. أحمد نظيف..
* قبل أن يقدم د. الملط تقرير الجهاز هذا العام كانت هناك حالة غليان وثورة داخل الحكومة ضد الرجل.. وفي الوقت الذي كانت فيه المواجهة في العام الماضي بين الجهاز ووزير المالية حشدت الحكومة هذا العام فريقـا للتصدي للتقرير السنوي قبل أن يظهر علي السطح ويصل إلي مجلس الشعب.. ويبدو أن المسئولين في الحكومة اختاروا أسلوبا لا يليق في مواجهة الرجل حين أشاعوا أن د. الملط يسعي لأن يكون رئيسا للوزراء.. وفي تقديري أن مثل هذه الأساليب لا تصلح في إدارة سوبر ماركت أو شياخة حارة وليس في إدارة شئون بلد كبير مثل مصر. هذا كلام لايليق ولا ينبغي أن يصدر من أي جهة مسئولة, خاصة أن الأمر لا يحتمل التهريج فنحن أمام ميزانية دولة وبلايين الجنيهات وأمام أزمات خانقة تهدد حياة الملايين من المصريين وهي الأحق بالدراسة والمراجعة وليس إطلاق الشائعات..
ويبدو أن حرب الشائعات ضد د. الملط لم تحقق هدفها وهنا بدأت الحكومة تحشد كتائب المواجهة داخل الحزب الوطني وبدلا من أن يكون الصدام بين رئيس الجهاز والوزراء المسئولين فإن المواجهة الآن ستكون بين أعضاء الحزب الوطني وبين الجهاز, أي بين حزب الأغلبية الذي قرر أن يقف بجانب الحكومة وكأن الجهاز المركزي للمحاسبات لا يتبع الدولة المصرية ولايحميه القانون ولا يمثل حصنـا من حصون حماية المال العام..
طبقـا لقانون الجهاز فإن مسئوليته تضم الرقابة المالية والرقابة علي أداء الحكومة بجانب الرقابة القانونية.. ويشمل ذلك جوانب كثيرة منها الرقابة علي المال العام وأداء الحكومة واستخدامها لهذا المال ويضم أيضا الإنتاج والاستهلاك والإنفاق والدين الداخلي والخارجي.. والدخل القومي.. وتوازن الخطة.. باختصار شديد إن التقرير السنوي للجهاز ينبغي أن يراقب كل جوانب النشاط المالي والاقتصادي لأداء الحكومة.. وهذا يعني أن ترد الحكومة علي كل ما يطرحه الجهاز من ملاحظات أو تساؤلات أو أخطاء..
وفي سياق الحشد الحكومي والحزبي للتصدي للجهاز المركزي للمحاسبات في المعركة القادمة استدعي المهندس أحمد عز رجل الأعمال الشهير إلي مكتبه رئيس الجهاز وخمسة من كبار معاونيه وألقي عليهم هذا البيان القاطع المانع..
أولا: أن دور الجهاز المركزي للمحاسبات هو الرقابة المالية فقط ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالأداء الحكومي أو عمل مؤسسات الدولة وأنشطتها واستخدامها للمال العام, لأن ذلك اختصاص مجلس الشعب..
ثانيا: أن العاملين في الجهاز المركزي للمحاسبات غير مؤهلين من حيث القدرات والإمكانيات لمراقبة أداء الحكومة وتقييم عمل أجهزتها المختلفة..
ثالثـا: إن الرقابة المالية للجهاز ينبغي ألا تتجاوز اختصاص مكاتب المحاسبة التي تقوم بمراجعة الجوانب المالية في الوحدات الخاصة أي أن الجهاز بكل إمكانياته ليس أكثر من مكتب مراجعة مالية..
رابعا: أن القانون الذي يحدد اختصاصات وعمل الجهاز المركزي للمحاسبات قانون اشتراكي قديم ولايتناسب مع سياسة الاقتصاد الحر التي تتبعها الدولة المصرية ويجري الآن تغيير هذا القانون وتنظر الحكومة في تعديله..
كانت هذه هي تعليمات المهندس أحمد عز للعاملين في الجهاز المركزي للمحاسبات حيث لا رقابة.. ولا متابعة.. ولا حساب.. وأن قانون الجهاز نفسه سوف يتم تغييره.. هذا ما دار في هذا اللقاء الغريب والمريب بين المهندس أحمد عز ورئيس الجهاز ومعاونيه, وإن كنت أنا شخصيا عاتب علي رئيس الجهاز أنه لم يأخذ معاونيه ويرحل..
والسؤال الآن.. من الذي أعطي وزير المالية الحق في أن يسيء للجهاز المركزي للمحاسبات ورئيسه في العام الماضي أمام مجلس الشعب ويسكت الجميع بما في ذلك رئيس الحكومة ورئيس مجلس الشعب.. ومن الذي أعطي المهندس أحمد عز الحق في أن يصدر الفرمانات ويحدد اختصاص الجهاز حسب رؤيته وهواه وأن يعد الجميع بتعديل قانون الجهاز ليصبح قانونـا رأسماليا حرا وليس اشتراكيا متخلفـا.. وهل أصبح من حق المهندس أحمد عز أن يتحدث باسم الحكومة وباسم الحزب الوطني وباسم مجلس الشعب وباسم رجال الأعمال.. ومن الذي أعطاه كل هذه الحقوق ومنحه كل هذه الاختصاصات ليجعل من الجهاز المركزي للمحاسبات مكتبا للمحاسبة ويشكك في قدرات العاملين فيه ويحسم القضية بتغيير قانون الجهاز.. من أين كل هذه السطوة وكل هذا النفوذ..
لاشك أن ما يحدث الآن بين مؤسسات الدولة يحتاج إلي تفسير وتوضيح ومواجهة فقد تداخلت الأمور في بعضها واختلط الحابل بالنابل..
نحن أمام حكومة ترفض النقد أو الحساب أمام أجهزة الرقابة التي أنشأتها الدولة لهذا الغرض.. وإذا كانت الحكومة تفعل ذلك مع أجهزة رقابية مسئولة فماذا تفعل مع الصحافة أو أجهزة الإعلام التي تتجرأ علي انتقادها وليس حسابها..
ومن هو صاحب الحق في محاسبة الحكومة في هذه الحالة.. نحن أمام تصرفات غريبة وغير مسئولة تنفي مبدأ الحساب والمتابعة وهذا لا يحدث في بلاد الواق واق..
إنه لشيء يدعو للقلق أن تحشد الحكومة مجلس الشعب وحزب الأغلبية فيه للإطاحة بتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات قبل أن يعرض علي المجلس, والمؤسف هو استخدام كل أساليب الردع ضد د.الملط وجهازه ابتداء بالشائعات المغرضة وبالتهديد أحيانـا وبينهما كل وسائل التخويف والترهيب.. كيف يعمل الرجل في ظل هذا المناخ المرعب من أجهزة الدولة التي ينبغي أن توفر له كل ضمانات الحماية..
هل المطلوب الآن من الجهاز أن يتستر علي عورات الحكومة وأن يخفي تجاوزات المسئولين فيها وهم يتصرفون في أموال الشعب كأنهم يديرون مشروعات خاصة..
من يمنع هذا التداخل في الاختصاصات والمسئوليات وما هو موقف الدولة من تعليمات المهندس أحمد عز لرئيس الجهاز.. هل يتحدث بوصفه تاجر حديد.. أم مسئولا في الحزب الوطني. أم مسئولا في مجلس الشعب.. أم أنه يتحدث بأمواله, وإذا كان قادرا علي أن يفعل ذلك مع أهم وأخطر جهاز رقابي في الدولة فماذا يفعل مع الآخرين..
أن الصدام الدائر الآن بين رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات والأجهزة التنفيذية والحزبية والبرلمانية في الدولة يؤكد علي حقيقة هامة أننا أمام صراع في السلطة يحتاج إلي حسم ومراجعة بحيث يقف كل طرف في مكانه..
نحن أمام عدة جبهات تتصارع.. نحن أمام أجهزة رقابية مسئولة يحكمها القانون.. ويبدو أن الحكومة لا تعترف بهذه الأجهزة ولا تريد رقابتها..
نحن أمام حزب الأغلبية الذي يدافع عن مصالح فئة معينة داخل الحكومة وخارجها ولا يعنيه بعد ذلك أين ضاعت أموال الشعب..
نحن أمام برلمان من واجبه ومسئولياته أن يوفر كل مظاهر الحماية لأجهزة الرقابة علي المال العام وألا يفقد هيبته بين حكومة ترفض الحساب وحزب يرفض المساءلة..
إن مصر الآن علي أبواب أزمة اقتصادية عنيفة ونحن أحوج ما نكون لتوحيد الجهود من أجل تجاوز هذه الأزمة.. والشيء المؤكد أن ذلك يحتاج إلي قدر كبير من العمق والدراسة والمكاشفة وليس فرض الوصاية والعنتريات المرفوضة.. وفي تقديري أن مجلس الشعب يتحمل مسئولية المواجهة بين الحكومة والجهاز المركزي للمحاسبات في الأيام القليلة القادمة وعلي المجلس ورئيسه د. أحمد فتحي سرور أن يثبت أنه يحمي مصالح الشعب ولا يدافع عن أخطاء الحكومة..
وقبل هذا كله فإن الانقسام داخل الحكومة وبين أجهزة الدولة سواء كانت تنفيذية ممثلة في الحكومة أو رقابية ممثلة في الجهاز المركزي للمحاسبات هذا الانقسام يترك الكثير من ظلال الشك وغياب التنسيق والجدية في التعامل مع هموم هذا الشعب وقضاياه.. من يفك الاشتباك ويعيد روح الفريق إلي أجهزة الدولة..
لو كنت من أعضاء الحزب الوطني في مجلس الشعب لاستقبلت تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات بكل التقدير والموضوعية حوارا ورأيا لأن مصر ليست عزبة يديرها بعض المسئولين ولكن مصر وطن لكل المصريين..
منذ سنوات ليست بعيدة تم إلغاء بعض الأجهزة الرقابية في مصر من أجل مصالح بعض رجال الأعمال, وكانت سابقة خطيرة في تاريخ مصر مع الرقابة الحكومية.. والمفروض أن الأجهزة الرقابية في أية دولة تعمل وفق قواعد قانونية ونصوص دستورية من أجل حماية أموال الشعب.. وإذا كان من حق الحكومة أن تمارس اختصاصاتها وتؤدي عملها.. فإن مسئولية الأجهزة الرقابية أن تراقب هذا الأداء ولا ينبغي أن يكون هناك تعارض بين أداء الحكومة ورقابة الأجهزة الرقابية, ولكن السنوات الأخيرة شهدت حالة اشتباك دائمة وصلت إلي درجة الصدام بين الحكومة والجهاز المركزي للمحاسبات..
والمفروض أن تكون العلاقة بينهما علي قدم المساواة خاصة إذا أدركنا أن الجهاز المركزي للمحاسبات يخضع لرئيس الدولة من الناحية الإدارية ويرأسه مسئول بدرجة نائب رئيس وزراء وقد أخذ الصدام بين الحكومة والجهاز عدة أشكال وصور مختلفة.. بل إنه تحول إلي خلاف علني داخل مجلس الشعب وانتقل إلي صفحات الجرائد ووسائل الإعلام وكان الرد الحكومي عنيفـا وفيه قدر كبير من التجاوز والرفض..
* في العام الماضي بدأ الصدام بين د. جودت الملط رئيس الجهاز ود.يوسف بطرس غالي وزير المالية.. ويومها افتقد وزير المالية الكثير من التواضع وهو يرد علي ملاحظات الجهاز أمام مجلس الشعب.. ونسي وزير المالية أنه يتحدث باسم حكومة مسئولة وأن واجبه أن يوضح للشعب كل ما جاء في تقرير الجهاز حول الكوارث المالية التي ذكرها التقرير ابتداء بمتأخرات رجال الأعمال لدي مصلحة الضرائب وهي تتجاوز40 مليار جنيه وانتهاء بسوء الأداء وإهدار المال العام في الوحدات الاقتصادية والزيادة الرهيبة في حجم الدين العام داخليا وخارجيا..
لم يحاول وزير المالية أن يواجه الحجة بالحجة, ولكنه تصرف بمنطق من يدير مشروعا خاصا أو مؤسسة يملكها.. وانتهت هذه المواجهة بعد أن تركت ظلالا كثيفة من الحساسية الشديدة بين الحكومة والجهاز المركزي للمحاسبات.. وكنت أتصور أن تبدأ الحكومة صفحة جديدة هذا العام حتي لا تصل الأمور إلي صدام جديد..
والحقيقة أن ما حدث بين وزير المالية ورئيس الجهاز ما هو إلا حلقة من سلسلة من التجاوزات من وزير المالية لم يكن آخر فصولها ما حدث من أزمات مع موظفي الضرائب العقارية أو ما حدث أخيرا مع الصيادلة نتيجة سوء الاختيار والتسلط من بعض أجهزة وزارة المالية.. أو ما حدث مع أصحاب المعاشات.. إنها سلسلة من الأخطاء والتجاوزات كانت سببا في أزمات حادة بين الدولة والمواطنين, وكان من الممكن مواجهتها بقدر من الحكمة والاتزان, وفي تقديري أن هذا هو الدور المطلوب من رئيس الحكومة د. أحمد نظيف..
* قبل أن يقدم د. الملط تقرير الجهاز هذا العام كانت هناك حالة غليان وثورة داخل الحكومة ضد الرجل.. وفي الوقت الذي كانت فيه المواجهة في العام الماضي بين الجهاز ووزير المالية حشدت الحكومة هذا العام فريقـا للتصدي للتقرير السنوي قبل أن يظهر علي السطح ويصل إلي مجلس الشعب.. ويبدو أن المسئولين في الحكومة اختاروا أسلوبا لا يليق في مواجهة الرجل حين أشاعوا أن د. الملط يسعي لأن يكون رئيسا للوزراء.. وفي تقديري أن مثل هذه الأساليب لا تصلح في إدارة سوبر ماركت أو شياخة حارة وليس في إدارة شئون بلد كبير مثل مصر. هذا كلام لايليق ولا ينبغي أن يصدر من أي جهة مسئولة, خاصة أن الأمر لا يحتمل التهريج فنحن أمام ميزانية دولة وبلايين الجنيهات وأمام أزمات خانقة تهدد حياة الملايين من المصريين وهي الأحق بالدراسة والمراجعة وليس إطلاق الشائعات..
ويبدو أن حرب الشائعات ضد د. الملط لم تحقق هدفها وهنا بدأت الحكومة تحشد كتائب المواجهة داخل الحزب الوطني وبدلا من أن يكون الصدام بين رئيس الجهاز والوزراء المسئولين فإن المواجهة الآن ستكون بين أعضاء الحزب الوطني وبين الجهاز, أي بين حزب الأغلبية الذي قرر أن يقف بجانب الحكومة وكأن الجهاز المركزي للمحاسبات لا يتبع الدولة المصرية ولايحميه القانون ولا يمثل حصنـا من حصون حماية المال العام..
طبقـا لقانون الجهاز فإن مسئوليته تضم الرقابة المالية والرقابة علي أداء الحكومة بجانب الرقابة القانونية.. ويشمل ذلك جوانب كثيرة منها الرقابة علي المال العام وأداء الحكومة واستخدامها لهذا المال ويضم أيضا الإنتاج والاستهلاك والإنفاق والدين الداخلي والخارجي.. والدخل القومي.. وتوازن الخطة.. باختصار شديد إن التقرير السنوي للجهاز ينبغي أن يراقب كل جوانب النشاط المالي والاقتصادي لأداء الحكومة.. وهذا يعني أن ترد الحكومة علي كل ما يطرحه الجهاز من ملاحظات أو تساؤلات أو أخطاء..
وفي سياق الحشد الحكومي والحزبي للتصدي للجهاز المركزي للمحاسبات في المعركة القادمة استدعي المهندس أحمد عز رجل الأعمال الشهير إلي مكتبه رئيس الجهاز وخمسة من كبار معاونيه وألقي عليهم هذا البيان القاطع المانع..
أولا: أن دور الجهاز المركزي للمحاسبات هو الرقابة المالية فقط ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالأداء الحكومي أو عمل مؤسسات الدولة وأنشطتها واستخدامها للمال العام, لأن ذلك اختصاص مجلس الشعب..
ثانيا: أن العاملين في الجهاز المركزي للمحاسبات غير مؤهلين من حيث القدرات والإمكانيات لمراقبة أداء الحكومة وتقييم عمل أجهزتها المختلفة..
ثالثـا: إن الرقابة المالية للجهاز ينبغي ألا تتجاوز اختصاص مكاتب المحاسبة التي تقوم بمراجعة الجوانب المالية في الوحدات الخاصة أي أن الجهاز بكل إمكانياته ليس أكثر من مكتب مراجعة مالية..
رابعا: أن القانون الذي يحدد اختصاصات وعمل الجهاز المركزي للمحاسبات قانون اشتراكي قديم ولايتناسب مع سياسة الاقتصاد الحر التي تتبعها الدولة المصرية ويجري الآن تغيير هذا القانون وتنظر الحكومة في تعديله..
كانت هذه هي تعليمات المهندس أحمد عز للعاملين في الجهاز المركزي للمحاسبات حيث لا رقابة.. ولا متابعة.. ولا حساب.. وأن قانون الجهاز نفسه سوف يتم تغييره.. هذا ما دار في هذا اللقاء الغريب والمريب بين المهندس أحمد عز ورئيس الجهاز ومعاونيه, وإن كنت أنا شخصيا عاتب علي رئيس الجهاز أنه لم يأخذ معاونيه ويرحل..
والسؤال الآن.. من الذي أعطي وزير المالية الحق في أن يسيء للجهاز المركزي للمحاسبات ورئيسه في العام الماضي أمام مجلس الشعب ويسكت الجميع بما في ذلك رئيس الحكومة ورئيس مجلس الشعب.. ومن الذي أعطي المهندس أحمد عز الحق في أن يصدر الفرمانات ويحدد اختصاص الجهاز حسب رؤيته وهواه وأن يعد الجميع بتعديل قانون الجهاز ليصبح قانونـا رأسماليا حرا وليس اشتراكيا متخلفـا.. وهل أصبح من حق المهندس أحمد عز أن يتحدث باسم الحكومة وباسم الحزب الوطني وباسم مجلس الشعب وباسم رجال الأعمال.. ومن الذي أعطاه كل هذه الحقوق ومنحه كل هذه الاختصاصات ليجعل من الجهاز المركزي للمحاسبات مكتبا للمحاسبة ويشكك في قدرات العاملين فيه ويحسم القضية بتغيير قانون الجهاز.. من أين كل هذه السطوة وكل هذا النفوذ..
لاشك أن ما يحدث الآن بين مؤسسات الدولة يحتاج إلي تفسير وتوضيح ومواجهة فقد تداخلت الأمور في بعضها واختلط الحابل بالنابل..
نحن أمام حكومة ترفض النقد أو الحساب أمام أجهزة الرقابة التي أنشأتها الدولة لهذا الغرض.. وإذا كانت الحكومة تفعل ذلك مع أجهزة رقابية مسئولة فماذا تفعل مع الصحافة أو أجهزة الإعلام التي تتجرأ علي انتقادها وليس حسابها..
ومن هو صاحب الحق في محاسبة الحكومة في هذه الحالة.. نحن أمام تصرفات غريبة وغير مسئولة تنفي مبدأ الحساب والمتابعة وهذا لا يحدث في بلاد الواق واق..
إنه لشيء يدعو للقلق أن تحشد الحكومة مجلس الشعب وحزب الأغلبية فيه للإطاحة بتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات قبل أن يعرض علي المجلس, والمؤسف هو استخدام كل أساليب الردع ضد د.الملط وجهازه ابتداء بالشائعات المغرضة وبالتهديد أحيانـا وبينهما كل وسائل التخويف والترهيب.. كيف يعمل الرجل في ظل هذا المناخ المرعب من أجهزة الدولة التي ينبغي أن توفر له كل ضمانات الحماية..
هل المطلوب الآن من الجهاز أن يتستر علي عورات الحكومة وأن يخفي تجاوزات المسئولين فيها وهم يتصرفون في أموال الشعب كأنهم يديرون مشروعات خاصة..
من يمنع هذا التداخل في الاختصاصات والمسئوليات وما هو موقف الدولة من تعليمات المهندس أحمد عز لرئيس الجهاز.. هل يتحدث بوصفه تاجر حديد.. أم مسئولا في الحزب الوطني. أم مسئولا في مجلس الشعب.. أم أنه يتحدث بأمواله, وإذا كان قادرا علي أن يفعل ذلك مع أهم وأخطر جهاز رقابي في الدولة فماذا يفعل مع الآخرين..
أن الصدام الدائر الآن بين رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات والأجهزة التنفيذية والحزبية والبرلمانية في الدولة يؤكد علي حقيقة هامة أننا أمام صراع في السلطة يحتاج إلي حسم ومراجعة بحيث يقف كل طرف في مكانه..
نحن أمام عدة جبهات تتصارع.. نحن أمام أجهزة رقابية مسئولة يحكمها القانون.. ويبدو أن الحكومة لا تعترف بهذه الأجهزة ولا تريد رقابتها..
نحن أمام حزب الأغلبية الذي يدافع عن مصالح فئة معينة داخل الحكومة وخارجها ولا يعنيه بعد ذلك أين ضاعت أموال الشعب..
نحن أمام برلمان من واجبه ومسئولياته أن يوفر كل مظاهر الحماية لأجهزة الرقابة علي المال العام وألا يفقد هيبته بين حكومة ترفض الحساب وحزب يرفض المساءلة..
إن مصر الآن علي أبواب أزمة اقتصادية عنيفة ونحن أحوج ما نكون لتوحيد الجهود من أجل تجاوز هذه الأزمة.. والشيء المؤكد أن ذلك يحتاج إلي قدر كبير من العمق والدراسة والمكاشفة وليس فرض الوصاية والعنتريات المرفوضة.. وفي تقديري أن مجلس الشعب يتحمل مسئولية المواجهة بين الحكومة والجهاز المركزي للمحاسبات في الأيام القليلة القادمة وعلي المجلس ورئيسه د. أحمد فتحي سرور أن يثبت أنه يحمي مصالح الشعب ولا يدافع عن أخطاء الحكومة..
وقبل هذا كله فإن الانقسام داخل الحكومة وبين أجهزة الدولة سواء كانت تنفيذية ممثلة في الحكومة أو رقابية ممثلة في الجهاز المركزي للمحاسبات هذا الانقسام يترك الكثير من ظلال الشك وغياب التنسيق والجدية في التعامل مع هموم هذا الشعب وقضاياه.. من يفك الاشتباك ويعيد روح الفريق إلي أجهزة الدولة..
لو كنت من أعضاء الحزب الوطني في مجلس الشعب لاستقبلت تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات بكل التقدير والموضوعية حوارا ورأيا لأن مصر ليست عزبة يديرها بعض المسئولين ولكن مصر وطن لكل المصريين..