لقد مرت أمس الذكرى الثالثة الأليمة على العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة الذي حصد أرواح حوالي ألف وأربعمئة شهيد أغلبهم من الأطفال والنساء وخمسة آلاف جريح، ولايزال القطاع يرزح تحت الحصار الظالم الذي أحكمه عليه المحتل الإسرائيلي لينتقم من الشعب الفلسطيني على خياره الديمقراطي بانتخاب حركة حماس.
وحين وجد المحتل أن حصاره لم يحقق أهدافه بإسقاط حماس وحكومتها بيد الشعب الفلسطيني الذي جاء بها سوى حصاد أرواح الأطفال والنساء والمرضى بحرمانهم من الدواء والغذاء والكهرباء مع عمليات إرهابية بين الحين والآخر تغتال عددًا من الأبرياء، أقدم بقيادة حكومة أيهود أولمرت على فعلته الإرهابية الشنيعة في اليوم السابع والعشرين من ديسمبر عام 2008م، في غمرة احتفالات العالم بأعياد الميلاد وانشغاله بها، فتسدد قوات دولة الإرهاب الإسرائيلي أقوى ضرباتها الإرهابية على منازل غزة لتنهمر القنابل والقذائف وأسقف المنازل وجدرانها على رؤوس ساكنيها.
لقد كان العدوان على غزة وحشيًّا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث جربت اسرائيل آخر ما أنتجته مصانع السلاح الأميركية، ولم يتورع الإرهابيون عن استخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا التي كانت قنابل الفوسفور الحارق إحدى القرائن الدالة على مستوى الجرم وغير الأخلاقي الذي وصلت إليه عقلية المحتل المنحرفة ونفسيته المريضة، كما لم يتورع عن استهداف المساجد والمدارس باحثًا عن الأبرياء ليشوي أجسادهم الغضة والبريئة، ولم تسلم من إرهابه حتى أطقم الإسعاف والمستشفيات في خرق صارخ لحقوق الإنسان الدولي ولاتفاقية جينيف الرابعة.
وكذلك لم تسلم المدارس والمخيمات التابعة للأمم المتحدة التي هي الأخرى أثبتت تواطؤها مع المجرم، بصمتها وعدم اتخاذها ما يلزم من إجراءات لوقف العدوان، حيث شاهدنا ذلك التناقض الفاضح للمواقف في تصريحات بان كي مون الأمين العام للمنظمة الدولية حين زار قطاع غزة ورأى بأم عينه الجريمة، ليأتي بتصريحات مناقضة أمام سادته في تل أبيب.
وحين نذكر القراء والغيورين بقضاياهم القومية ودماء إخوانهم الزكية بهذه الذكرى الأليمة، حتى تظل جذوة الذاكرة متوقدة لا تخبو منها هذه المآسي، فهي مهمة لاستحضار دروس التاريخ وأخذ العبر والمواعظ، ليس فقط لتأريخ هذه الأحداث فحسب، وإنما لمراجعة أنفسنا فيما يخص قضايانا، وليقف شاهدًا على تقصيرنا.
ولما كان الحصار ومن ثم العدوان هو لتعميق الانقسام الفلسطيني الذي نجح المحتل في زرعه بين أبناء الشعب الفلسطيني، فإننا لا نستغرب ما ذهب إليه بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة المتطرفة للاحتلال الإسرائيلي من أنه يرفض إجراء أي مفاوضات مع السلطة الفلسطينية في حال انضمت حماس إلى الحكومة الفلسطينية، لأنه يدرك أن طبيعة التفاوض التي يريدها ستختلف عن تلك التي كانت أثناء الانقسام ما إذا استؤنفت، فهو يعلم في قرارة نفسه أن موقف السلطة الفلسطينية وموقف رئيسها اكتسب قوة وزخمًا بالمصالحة ودخول الفصائل الفلسطينية لمنظمة التحرير، وهذا في حد ذاته يفشل المخطط الإسرائيلي الرامي إلى تصفية القضية الفلسطينية، ويمنع ابتزاز السلطة والاستفراد بها.
لا سيما وأن نتنياهو شدد على أمرين هما: الأول وهو أن "التقدم في مفاوضات السلام يجب أن يأخذ بالاعتبار الحاجات الأمنية "لإسرائيل" التي أصبحت أكثر أهمية نظرًا إلى الوضع الإقليمي".. كما يزعم. والثاني وهو أنه "لن يتسامح أبدًا في حال انتقل الوضع السائد في لبنان وفي قطاع غزة إلى الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية"، مكررًا أنه ينتظر من الفلسطينيين أن يعترفوا بالكيان الإسرائيلي "دولة قومية للشعب اليهودي".
منقول من جريدة
الوطن العُمـانية