بالنسبة لرجل يؤكد في برنامجه الانتخابي أن أهدافه تحقيق «الإسلام المعتدل والمواطنة»، كان غريبًا أن يضم السباق الرئاسي اسم محمد سليم العوا بسبب تصريحاته عام 2010حول قيام المسيحيين بتخزين أسلحة في الكنائس المصرية.
فخلال لقاء له في برنامج «بلا حدود» مع الإعلامي أحمد منصور على قناة «الجزيرة»، قال «العوا»: «المسيحيون يُخفون أسلحة في الكناس، وهذا له معنى واحد، أنهم ينوون استخدامها ضد المسلمين»، واصفًا الدولة بأنها «ضعيفة في الوقوف أمام الأقباط المحرّضين على المسلمين».
وخلال رحلة السقوط بعد اللقاء التلفزيوني، قال «العوا»، المحامي والمفكر الإسلامي، إن تصريحاته «فُسِّرت بشكل خاطئ»، لأنه كان يشير فقط لمزاعم تقول إن كنيسة بعينها في بورسعيد تورَّطت في تهريب أسلحة من إسرائيل.
ومازال «العوا» يحاول تقليل الخسائر حتى اليوم، فعلى صفحته الشخصية مازال يؤكد أن «الأقباط شركاء في الوطن، فنحن نحيا معا منذ 14قرنًا، ولديهم مثل ما لدينا من الحقوق والواجبات». ويرجّح المحللون أن تكون محاولات المرشح الرئاسي لتحسين صورته سياسيًّا «غير صادقة»، وأن تكون مغازلته لأصوات المسيحيين «مجرد براجماتية سياسية». فالعوا يقدم نفسه على موقع حملته الانتخابية باعتباره «رجلا صاحب رؤية ومبدأ لا يتغير»، كما يقول إنه «تنبأ بالثورات العربية قبل أن تبدأ».
وقد بدأ «العوا»، (69سنة)، في رحلة اختبار مبادئه في حياته العملية في وقت مبكر، فبعد تخرجه من كلية الحقوق جامعة الإسكندرية، عمل نائبًا عامًا في الفترة ما بين 1963إلى 1966، لكنه طُرد من عمله خلال محاكمة القيادي الإخواني سيد قطب، بتهم تتعلق بالانخراط في أنشطة الجماعة، وهي التهمة التي كانت محل هجوم من نظام جمال عبد الناصر، وفي المقابل يؤكد العوا أنه «لم يكن أبدًا عضوًا في جماعة «الإخوان».
وانضم لهيئة قضاء الدولة وهاجر إلى الكويت، ويقول إنه «طُرد من منصبه للأسباب السياسية نفسها»، ولأن الأبواب أغلقت في وجهه في مصر، فسافر العوا إلى لندن، حيث استكمل رسالة الدكتوراة في القانون المقارَن في كلية الدراسات الأفريقية والشرقية، وبدأ في تدريس القانون في الجامعات داخل مصر وخارجها.
واستكمل طريقه في مجال الفقه والقانون وتداخل الإسلام وتشريعاته من خلال أكثر من 22مؤلفًا منشورًا له.
كما عمل رئيسًا سابقا لاتحاد علماء المسلمين، الذي أسسه يوسف القرضاوي، وكان طرفًا في المفاوضات مع ميليشيات الجماعة الإسلامية المعتقلة، والتي أدت فيما بعد لنبذ العنف بعد حقبة دامية شهدتها مصر وكانت ذروتها في التسعينيات.
وظهر ارتباط «العوا» بالحركة الإسلامية في الفترة الانتقالية مؤخرًا من خلال مطالبته بإطلاق سراح القيادي بالجماعة الإسلامية، عمر عبد الرحمن، الشيخ الكفيف الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في الولايات المتحدة لتورطه في تهم تتعلق بالإرهاب.
بالإضافة لذلك، يعتبر «العوا» معروفًا من خلال دعمه للنظام الإسلامي الإيراني ولمزاعم تتعلق بعلاقته بقيادات إيرانية، ربما بسبب لعبه دور الوسيط لإعادة المصريين المحتجزين في إيران بعد أن حاربوا بالنيابة عن مصر في العراق في حرب الخليج الأولى.
ترويج المرشح المعتدل
بدأ «العوا» في الإعلان عن مشاركته في انتخابات الرئاسة بحلول نهاية يونيو 2011، ومثل زميله المرشح عبد المنعم أبو الفتوح، يحاول العوا تقديم نفسه باعتباره بطل الإسلام المعتدل. وقد قال مدير حملته، محمد مؤمن، للإعلامي يسري فودة على قناة «أون تي في»، إن العوا «يمثل المفكر الإسلامي»، كما أنه يضع نصب عينيه فكرة «المواطنة».
ويقول «العوا» إنه يمثل «الإسلام المعتدل»، الذي يمارسه معظم المصريين، ويخوض العوا السباق بعد حصوله على توكيلات من 30عضوًا من أعضاء مجلسي الشعب والشورى، وكان حزب «الوسط» قد أعلن دعمه لحملة العوا الانتخابية، إلا أن ذلك أثار قلاقل داخل الحزب، الأمر الذي دعاه لخوض الانتخابات مستقلا وإعلان الانفاق على حملته من ماله الخاص ومن تبرعات المؤيدين.
وكان «العوا» قد دعَّم حزب «الوسط» منذ بداية محاولات تأسيسه منذ التسعينيات، كما سعى للحصول على دعم الأحزاب الإسلامية الراديكالية مثل حزب «البناء والتنمية»، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية.
ورغم أن برنامجه الانتخابي السياسي لم يعلن عنه بعد، فإن موقع حملته يشير إلى عدة نقاط داخل البرنامج الانتخابي منها التعليم والصحة ونقاط أخرى غامضة تتعلق بـ«إعادة اكتشاف الإنسان المصري».
من جانبها، كانت جماعة الإخوان المسلمين قد أنكرت الشائعات التي تفيد بأنها ستدعم العوا، وهو ما دعا حزب «الوسط» لدعمه في البداية، حيث تأسس الحزب على يد مجموعة من المنشقين عن الجماعة.
وبعيدًا عن الحملة، وُجهت انتقادات للعوا بسبب فشله في أن يكون ناقدًا لأفعال المجلس العسكري، كما أنه مُطالب بتفسير وتبرير تصريحاته عن وجود أسلحة مخبئة في الكنائس أينما ذهب.
ولكن العوا، الذي احتدَّ من قبل عند مواجهته بأنه يعمل لصالح المجلس العسكري وقال إنه ممثل لنفسه فقط ولن يؤخذ بذنب غيره، مازال يؤخذ بإثم مواقفه خلال الثورة، ودفاعه عن أفعال المجلس العسكري.
ففي أحد لقاءات قناة «الجزيرة» معه يوم 30يناير 2011، وصف العوا الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء آنذاك أثناء الثورة، وعمر سليمان، رئيس المخابرات السابق ونائب مبارك، بأنهما «معروفان بالوطنية والنزاهة»، وأنه لا يعتبر أيًا منهما «استمرارًا لنظام مبارك».
وفي أحد المؤتمرات في لندن فبراير 2012، قام عدد من المصريين الحاضرين بمقاطعة العوا بهتافات ضد العسكر والإخوان، وهاجموه واصفين إياه بأنه «خادم العسكر».
وخلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس 2011، قال العوا إن التصويت بنعم «واجب ديني على المسلمين للتخلص من الديكتاتورية»، وقد كان الاختلاف الأساسي في الاستفتاء يدور حول ما إذا كانت الانتخابات البرلمانية يجب أن تسبق كتابة الدستور أو العكس.
وأراد الإسلاميون بشدة أن تبدأ الانتخابات أولا، في محاولة للسيطرة على عملية كتابة الدستور، وبالتالي حشدوا للتصويت بنعم في الاستفتاء وربطوه بالدين، حيث حذروا من أن التصويت بـ«لا» معناه «ضياع الشريعة كمصدر أساسي للتشريع».
وكرر «العوا» مطالبته للمجلس العسكري بالإسراع في تسليم السلطة، إلا أنه كان يبرر دائمًا مدَّ فترة تسليم السلطة من 6أشهر لسنة ثم 6أشهر أخرى، بأن المجلس العسكري «تحت ضغط سياسي كبير».
وفي نوفمبر الماضي، قال العوا لـ«المصري اليوم» إن المجلس العسكري «يقوم بأفضل ما يمكن القيام به، لكن المشكلة في قدراتهم الإدارية، فهم ليسوا سياسيين، وليس لديهم الخبرة في التعامل مع المدنيين».
وبعد مقتل أكثر من 27محتجًا خارج مبنى «ماسبيرو» في أكتوبر الماضي، بعد أن تم الاعتداء على مسيرة للأقباط، أعلن العوا وجود أدلة لديه سيقدمها للنائب العام تفيد بأن البلطجية هم من تسللوا للمسيرة وهاجموا المتظاهرين، وليس الجيش.
وفي ديسمبر 2011، قال العوا إنه «يثق في المجلس العسكري وفيما قام به خلال الفترة الماضية، وأن المجلس العسكري احترم وعوده التي قدمها للناس».
ومؤخرًا، أثناء ملابسات محاكمة المتهمين بتلقي تمويل أجنبي في قضية المنظمات غير الحكومية، بعد أن تم إلغاء قرار منع سفر المتهمين الأجانب، وهي القضية التي تم اتهام «العسكري» فيها بالتدخل في أحكام القضاء بضغط من الولايات المتحدة، ألقى العوا باللوم كاملا على المستشار عبد المعز إبراهيم، رئيس محكمة الاستئناف، المتهم بالتدخل في القضية.
واقتصر الأمر على دعوات «العوا» بمحاسبة كل من ثبت تورطه في التدخل في سير القضية من القضاء، حيث قال في مداخلة تلفزيونية: «يجب أن يكون لدى القضاة القوة على الوقوف أمام صانعي القرار السياسي، ويجب أن نفرّق بين اتخاذ القرار السياسي لمصلحة الدولة والسلوك المُشين للقضاء»
.
مترجم عن الطبعة الانجليزية
«إيچبت إندبندنت»
المصدر