حكايات عن ناس طيبين:سعيد الكفراوى

والكتاب يتكون من مائتين وأربعين صفحة،
وثلاثين قصة من الحياة وعن البشر والناس،
غاص بنا الى أعماق التاريخ في
(بين خالتي الخضرة)
وبين أرسطو,
وطاف بنا إلى أقاصيص نجيب محفوظ,
وشنف أسماعنا برعاية
(الأوله في الغرام)
لأم كلثوم,
ولم ينس رفيق دربها
محمد عبد الوهاب وأغنيته
(الدنيا ليل والنجوم طالعة تنورها),
ويتذكر الكاتب – الراحل – محمد مستجاب
عبر بنا عبر الفيافي والقفار
ويحط رحاله إلى مدينة (فاس) بالمغرب
موطن السيد البدوي, ويصف للقارئ قصة اعتقاله وسجنه,
وقد خرج منه مُثخن الجراح,
وذكرياته مع أمل دنقل الذي نعته بالرقة والعذوبة,
ويصف صاحب القنديل
(يحيى حقي)
حيث لقاه أول مرة في أواخر الستينيات,
تلك الأيام التي كانت فيها الأحلام لا تزال حية في القلب,
وكانت فيها الدنيا غير الدنيا,
ويصف بتأثر شديد, العلاقة الجميلة
التي كانت تربط بين الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وام كلثوم,
ويقول عن هذه العلاقة –
وكما أكدتها له د. هدى عبد الناصر
أثناء سفرهما معا إلى الكويت ضمن وفد ثقافي
– ان بينهما كثيرا مشتركا, كل منهما جاء من القرية وخرج من فقراء مصر,
واستفاد من التغير الوطني والحراك الاجتماعي
بعد ثورة (23) يوليو 1952
وكان كل منهما صاحب شخصية قوية تصل إلى حد الاستبداد,
وعن المكان وذكرياته؛
فيتكلم عن
مقهى (ريش) هذا المقهى
الذي كان محجا لذاكرة القاهرة الثقافية, السياسية والاجتماعية,
ومنطلقا مهما لتجريبة الكتابة الابداعية,
ففيه انطلقت أفكار جمال الدين الافغاني
ومحمد عبده وطه حسين والعقاد واحمد امين
ونجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف ادريس
وأمل دنقل ورياض السنباطي وصلاح عبد الصبور
ونجيب سرور من عقالها,
وقد ظل هذا المقهى يمثل مؤسسة اجتماعية وسياسية طوال القرن العشرين كله
, وكتب عن الراحل محمد مستجاب بقوله:
ظللت أبحث لهذا الرجل العظيم عن لقب
- أوصفه –
تعلو حتى على الفضيلة..
لكن بطلي – رعاك الله – مات.. مستجاب الفاضل
- وكتب عن الكاتب الروسي انطون تشيكوف,
حيث كتب الأخير في وصيته قبيل مماته إلى شقيقته يقول لها:
ساعدي الفقراء, واعتني بالأم, وعيشي في سلام.
وكتب عن المنشدين الذين كانوا يأتون إلى قرانا في الزمن البعيد,
فيدورون على البيوت وينشدون بصوت منُغم
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
او ينشدون حياة الصحابة المبجلين,
وبقية حيوات الأفاضل من أولياء الله الصالحين,
وبعض قصص أصحاب السير
عنترة وأبوزيد وذات الهمة والظاهر بيبرس والملك سيف بن ذي يزن
- وكتب عن الموسيقار فريد الأطرش,
وكيف جاء إلى مصر بصحبة والدته وأخته هربا من جبل الدروز
حيث الاحتلال الفرنسي,
إلى قبلة المضطهدين وملاذ الآمنين وطالبي الحرية الميامين
.. مصر
, ففتحت له ذراعيها بالوصيد, وفتح قلبه بالغناء الشجي..
يا مصر يا أم الدنيا.. أحب عشانها الدنيا,
إلى ان أوصى بعد مماته, بأن يدفن فيها بجوار شقيقته,
ووالدته علياء المنذر,
وكتب عن اللقاء بين طه حسين وأحمد أمين,
الأول كفيفا بحكم القدر, والثاني كان كفيفا – مؤقتا- أثناء اجراء عملية جراحية في عينيه
, فعندما تلاقت الأكف, لتضيء عالمنا بأنوار العقل,
وتمهد أمامنا طريق الحرية.. وتُعبّد أمامنا مصابيح الفكر.
ولم يغمط للمرأة حقها
فكتب عن مي زيادة وصالونها الأدبي,
وصالون الأميرة نازلي فاضل,
ولم ينس بنت الشاطئ سهير القلماوي ونبوية موسى
ودرية شفيق وامينة السعيد وكذا ام كلثوم وامينة رزق
وفاطمة رشدي وفاتن حمامة
وكتب عن ثلاث نساء يتركن في القلب الما, وفي الروح جرحا,
الأولى فاطمة بنت الخديوي اسماعيل
التي تبرعت بجواهرها وأطيابها لانشاء الجامعة (جامعة القاهرة),
والثانية هي شجرة الدر
ملكة مصر ذات العقل الراجح, التي أدارت دفة مصر بجوار زوجها واستاذها الصالح أيوب,
والثالثة مثال العشق في التاريخ كيلوباترا
التي ما فتئت تدافع عن ملكها مرة بالجنود ومرة بالعشق.
ويختتم كتابه
– ويا للمصادفة-
عن رمضان شهر الصيام,
ويقول: كلما أوغل الزمن توهجت الذكريات القديمة اشتعالا:
ثمة مرافئ تضاء في أعماقنا, نتكئ عليها كل حين لنتحمل أوجاعنا الراهنة,
(يتسرب الزمن مثل الماء ويزدحم الجو بضرب النار,
ويفرض النظام العالمي الجديد شروطا عيشنا,
مأساة لو اختلفت كل دولة مع هذا النظام
حول طبيعة اختياراتها للعيش فيعالجها بضرب النار,
كأننا نحيا بلا اختيار, ونحن نشاهد أمتنا مرهونة الاستغلال,
ولا صوت يعلو على صوت أميركا).
ويختم الكتاب القصصي
بـ ناس طيبون
مروا بي, ومضوا

.......أختبار للروضة!!!!


امتحان في الروضة

لنفرض أن الحافلة أدناه تسير،

فإلى أي إتجاه تراها سائرة؟؟؟
هل هي متجهة إلى اليمين أم إلى اليسار؟؟
لا تستطيع الجزم ؟؟!! أنظر جيّداً للصورة !!
ألم تعرف بعد؟؟
لقد عرضت هذه الصورة على الأطفال

ما قبل دخولهم المدرسة في جميع أنحاء الولايات المتّحدة

و تمّ توجيه هذا السؤال لهم، و كانت إجابة 90% منهم كالتالي

أن الحافلة متجهة إلى جهة اليسار :
و عندما سئلوا لماذا تظنون ذلك، كانت الإجابة كالتالي:
لأنه لا يمكننا رؤية باب الحافلة الذي نصعد منه إليها
كيف تشعر الآن بعد أن عرفت الإجابة ؟؟
.

لا تخبرني بالأمر، أعرف هذا الشعور جيّداً

أخبــــــــــــــــــــــــــــاااااار

مقتل عالم نووي ايراني في تفجير في طهران
**********

محاكمة 5 مسلمين بلندن بتهمة توجيه اتهامات لجنود بريطانيين

*********

قيادي في الحزب الحاكم بمصر يقول جمال مبارك مرشح منتظر للرئاسة

****

مصر تخطط لزرع قمح في أوغندا

دموع الكروان في نجع حمادي....


ذات يوم أغبر لم تنسه آمنة أبدا‏

‏ قتل خالها بالخنجر
شقيقتها هنادي‏,‏

وواراها التراب دون جنازة‏,‏ أو مأتم‏,

‏ وعرفت آمنة أن خالها فتك بأختها لأنها ارتكبت جريمة الزنا مع مهندس الري‏.
‏ ظلت آمنة طوال عمرها بعد ذلك تحتال من أجل الثأر والانتقام من الباشمهندس‏,‏

وعندما حانت اللحظة الحاسمة للثأر‏,‏ وإشفاء الغليل‏,‏

اكتشفت أنها أحبت المهندس في مشهد

من أبدع المشاهد في تاريخ السينما المصرية

مأخوذ عن رائعة طه حسين دعاء الكروان‏.‏‏

‏لم يكن من المتصور أبدا أن الواقعة التي جرت

ذات يوم مشئوم في فرشوط ستمر علي خير‏,

‏ وأنه لن يكون لها ما بعدها‏.

‏المسألة باختصار أن شابا من تجار الطيور

ممن يسرحون بين القري والبندر في فرشوط ونجع حمادي

مستخدما دراجته العادية‏,

‏ ويضع الطيور في قفصين علي جانبي العجلة الخلفية للدراجة‏,

‏ وجد نفسه فجأة في منطقة خالية من الناس وأمامه فتاة عمرها لا يزيد علي‏12‏ عاما‏,‏

ولعب الشيطان في عب صاحبنا‏,

‏ فسولت له نفسه أن يختطفها إلي حقل قريب‏,

‏ ويغتصبها بعد أن هددها بأنه سيقتلها لو فتحت فمها‏,‏

ولم يهتم هذا المجرم

أن يسأل نفسه الأسئلة البسيطة

مثل‏:‏ ما هو دين هذه البنت؟

ومن أي عائلة هي؟

وكيف سيدافع عن نفسه أمام رد فعل أسرتها الذي سيكون دمويا؟

لم يهتم بأي شيء من هذا كله‏,‏

كل ما شغل باله هو شيء واحد فقط لا ثاني له‏,‏

أن يتخلص من حالة التوتر التي داهمته لدي مشاهدته المسكينة‏.‏

فالشيطان الملعون صورها له جميلة الجميلات اللاتي يسمع عنهن من نجمات السينما‏

,‏ برغم أنها طفلة تلعب علي جانب الطريق تغطي الأتربة ثيابها‏,‏

وبالطبع عادت البنت إلي أمها باكية‏,‏ ممزقة الملابس‏,

‏ فخافت وبادرتها بلطمة وسؤال عمن فعل بها ذلك؟

فقالت لها ما جري‏,‏ فسألتها إن كانت تستطيع أن تستدل عليه‏,

‏ فأجابتها بأنها قادرة علي تمييزه من بين الناس‏,‏ وذهبتا فورا إلي السوق‏,‏

وتعرفت الضحية علي الجاني‏,‏ وأمسكت أمها بتلابيبه‏,

‏ ولم يستطع أن يفر منها بعد أن أحاط بهما الناس‏,‏

واقتادته إلي قسم الشرطة وسط صراخه بأنه بريء‏.

‏‏‏الذي جعل الموقف يغلي ويفور أنه اتضح بسرعة أن الفتاة مسلمة‏,

‏ والمجرم مسيحي‏,‏ وهكذا أصبح الموقف شديد التعقيد‏,

‏ وبالطبع انفجرت ثورة غضب أهل المجني عليها‏,‏

ولم يستطع أهل الجاني أن يتركوه وحده في هذا الظرف العصيب

برغم أنهم بينهم وبين أنفسهم

كانوا بكل يقين يلعنونه ويلعنون اليوم الذي رأي فيه وجهه المنحوس

هذه الدنيا‏.‏في الظروف المعتادة لمثل هذه الجريمة

أن المرأة التي أمسكت بالمجرم‏,‏

إما أن تقتله بيديها أخذا بشرف ابنتها الذي لوثه هذا المجرم‏,‏

أو أن أحد أشقائها أو أقاربها الرجال يفعل ذلك‏,‏

وبمجرد قتله تنتهي المشكلة كلها حتي لو كان هناك اختلاف في الدين‏,‏

فالأصل في الشرف هو الدم‏,‏

وبما أنه تم أخذ حق الدم فقد انتهت المسألة‏.

‏لكن الأم فعلت العكس تماما‏,‏

تصرفت بشكل متحضر‏,‏

فقامت بتسليم الجاني أو المتهم إلي الشرطة‏,

‏ ولاشك أن أهل المرأة قد لاموها ووبخوها علي ما فعلت‏,‏

فمن غير المعقول أن الدولة ستقبل تسليمه إلي أهل الضحية‏,

‏ لأن معني ذلك أنها تعطيه لهم لكي يقتلوه‏,‏

لذلك لم تفلح كل محاولات عائلة البنت التي استمرت أياما طويلة

لكي تنتقل حيازة المتهم إليهم‏.

‏هكذا تجمد الوضع لفترة من الوقت‏,‏

لكن بدلا من التطورات

التي أدت إلي وقوع آمنة في حب المهندس كما في فيلم دعاء الكروان‏,

‏ بحيث انه عندما حانت لحظة الانتقام

لم تقتله وأخذت تبكي وتقول له‏:‏ أنا بأكرهك‏..‏

وما كنتش عارفة إن السلاح اللي باصطادك بيه ها يصيدني‏.

‏بدلا من هذا انغلق صدر الأهالي

في نجع حمادي وفرشوط من أسرة البنت علي حجم من الكراهية

لا يفلح أي شئ ولا مرور الأيام في مداواته‏,

‏ وهكذا انفجر الموقف في يوم عيد الميلاد‏,

‏ فقد كظم الأهالي المسلمون غيظهم في صدورهم بعد حادثة الاغتصاب‏,‏

وظلوا يتحينون اللحظة التي يثأرون فيها لشرفهم‏,‏

فعلوا ذلك برغم علمهم أن الجاني القذر مغتصب الطفلة البريئة داخل السجن‏,‏

وأن الموجودين خارجه أبرياء تماما من ذنب الطفلة‏,‏

وهكذا فتحوا نيرانهم وقتلوا

من تصادف وجودهم من جماعة الجاني المجرم في يوم العيد أمام المطرانية

‏,‏ كل هذا اعتقادا منهم بأن دم هؤلاء الأبرياء

يمكن أن يكون بديلا مؤقتا لدم المجرم الأصلي إلي حين خروجه من السجن‏.

‏الحادث كله تكشف ملابساته
عن مدي التخلف الثقافي والتعليمي في هذه المنطقة من مصر‏.

‏ تصوروا أن هذه المنطقة لا تعترف بشيء اسمه الدولة‏,

‏ وبأن فيها قضاء وشرطة ونيابة‏,

‏ وأن كل هذه الهيئات وظيفتها هي رد الحقوق لأصحابها‏,‏

ومعاقبة الجناة‏,‏ وردعهم‏,‏ وإلزامهم بضرورة

احترام النظام العام‏,‏ والقانون‏,‏ والعرف‏,‏ والتقاليد‏.‏

لقد ثبت أن هؤلاء الناس

‏(‏ أقصد أهالينا في نجع حمادي‏,‏ وربما في كل أرياف مصر‏)‏

لا يعرفون إلا أن يأخذ الواحد منهم حقه بيده‏,‏

أو بيد أسرته‏,‏ أو عائلته‏,‏ أو قبيلته‏,‏

فهي التي تحميه وهي ولية دمه‏,

‏ لذلك فحياته كلها فداء لها‏.

‏وهذا الكلام يبين عمق الهوة التي تفصل بين الصحف الصادرة في القاهرة

وأهالينا في القري والنجوع‏,

‏ وبصراحة من منكم

يعتقد أن أيا من هؤلاء الذين أطلقوا النار علي المسيحيين المحتفلين

بالعيد يعرف أي شيء

عن المواطنة‏,‏

وحقوق الإنسان‏,

‏ وحرية الرأي‏,‏

وحرية الاعتقاد‏,

‏ وعن أن المسئولية الجنائية فردية؟

من منهم يعرف أي شيء عن الديمقراطية

وتداول السلطة؟

وعن العولمة‏,‏ والتغير المناخي؟

وعن مستقبل مصر عام‏2020‏ ؟‏

الاهرام 10-1-2010

بقلم: حازم عبدالرحمن.

الأتراك ... يعيدون صناعة التاريخ


صناعة التاريخ حرفة لا يجيدها إلا الرجال ، هؤلاء الذي يحفرون أسماءهم فى التاريخ حيث يفني بلايين البشر ويبقي هؤلاء علامات مضيئة تهتدي بها البشرية وتعرف من خلالها جذورها فتصنع حاضرها وتخطط لمستقبلها ، لاسيما في مجال الرقي الأنساني وتحقيق غاية البشر في الوجود ، وما يقوم به الأتراك الآن صورة من تلك الصور الزاهرة التى تقوم بها مجموعة اختارها شعبها تقف علي سدة السلطة لم تستولي علي السلطة عبر انقلاب عسكري أو توارثته عبر آبائها ولكنهم خيار شعبي خالص وهذا درس أيضا للشعوب التى تخلت عن دورها فى صناعة حاضرها ومستقبلها وتركت بلادها لمن سطا عليها سواء من العسكر أو غيرهم ، ولن أتحدث هنا عما قام به رجب الطيب أردوغان وحكومته منذ توليهم السلطة عام 2003 فهذا يحتاج إلي كتب وليس إلي مقال .. ولكني فقط سأتحدث عن إنجازات أسبوع واحد ولن أقول إنجازات وإنما دروسا لمن أراد أن يصنع التاريخ ، فخلال الأسبوع الماضي قامت تركيا بصناعة أحداث تاريخية هامة ستحدد كثيرا من معالم المستقبل لها ولجيرانها ولدول المنطقة ، فبعد الدرس القاسي والمؤلم الذي تلقاه رئيس إسرائيل شيمون بيريز علي مرآي من العالم كله فى مؤتمر دافوس من العام الماضي علي يد رئيس الوزراء التركي رجب الطيب أردوغان ، في وقت كان فيه عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية يجلس دون حراك يتابع افتراءات بيريز دون أن يجرؤ علي أن يفتح فمه بالرد عليه كعادة المسئولين العرب ، قام أردوغان ولقن بيريز والأسرائيليين جميعا درسا فى كيفية التعامل مع مجرمي الحرب فى الساحات الدولية ، وعاد أردوغان ليستقبله شعبه استقبالا حافلا بعد منتصف الليل وتحت الثلوج المتساقطة لأنه كما قال فى تصريحات عديدة " نحن استمعنا إلي صوت شعبنا " فعل ذلك لأن شعبه اختاره ، ولم يغتصب السلطة عبر انقلاب عسكري مثل معظم أنظمة الحكم العربية التي لا تضع قيمة لشعوبها ولا تسمع لصوتها ، ،و لم تتوقف دروس تركيا لأسرائيل عند هذا الحد حيث لم تتوقف مطالبها برفع الحصار عن غزة فى وقت تشارك فيه دول عربية إسرائيل جريمتها ، وفي الأسبوع الماضي قررت تركيا إلغاء مشاركة سلاح الجو الأسرائيلي فى مناورات سنوية ورثها أردوغان عن الحكومات التركية السابقة ،



وقال في مبررات الألغاء إنها ردا علي مشاركة سلاح الجو الأسرائيلي فى الجرائم التى ارتكبت ضد الفلسطينين فى غزة ، اهتزت إسرائيل للقرار التركي الذي قزمها أمام حكومات عربية تمد لها يد العون والدعم لأسرائيل وتشارك فى حصار قطاع غزة ، ولم تقف تركيا عند هذا الحد بل أعلنت ما زاد إسرائيل هما وغما حيث قررت أن تقيم مناورات مشتركة مع سوريا في الشتاء المقبل ، كما أعلنت أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل لن تعود إلي سابق عهدها إلا بعد أن ترفع إسرائيل حصارها عن قطاع غزة ، وكان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قد ألغي زيارة إلي إسرائيل بعدما رفضت إسرائيل أن يقوم فى نفس الوقت بزيارة لقطاع غزة .

أما علي الصعيد الأقليمي فرغم أن سوريا لا تشارك تركيا ثقافتها ولا لغتها إلا أن تركيا قررت إزالة العمل بالتأشيرات ونقاط الحدود بين البلدين فى خطوة غير مسبوقة منذ سقوط الخلاقة العثمانية وتقسيم إرثها في أعقاب الحرب العالمية الأولي ، وفي أعقاب هذا قاموا بتوقيع 34 مسودة اتفاق وتفاهم بين البلدين فى معظم المجالات هذا فى الوقت الذي تذل الحكومات العربية المواطنين العرب علي حدودها لاسيما البرية ، حيث يقضي بعض المواطنين ساعات طوال بين الحدود وهم ينتظرون السماح لهم بالمرور رغم أنهم يحملون تأشيرات ، أو يسجنون مثل الفلسطينيين فى قطاع غزة ، وفي نفس الأسبوع كان رئيس الوزارء التركي رجب الطيب أردوغان فى العراق ليرتب الأوضاع الأستراتيجية مع العراقيين ويحاصر حزب العمال الكردستاني ويفعل التعاون الأستراتيجي ليؤمن تركيا من الجنوب وينهي مشكلات امتدت لعشرات السنين هذا بعد أيام قليلة من الأتفاق الذي أنهي مائة عام من الصراع مع الأرمن عبر الأتفاق الذي وقع مع أرمينينا ، وتوج بمباراة كرة القدم التى حضرها رئيس أرمينيا مع الرئيس التركي فى مدينة بورصة التركية .

لقد أدرك الأتراك بعد التنمية الداخلية الغير مسبوقة التى قاموا بها خلال خمس سنوات من الحكم ، أن إنهاء الصراعات الخارجية لاسيما مع الجيران هو أهم خطوة استراتيجية يجب أن يقوموا بها ، فخلال أسبوع واحد وبعد سنوات من العمل أقاموا علاقات متطورة بأشكال مختلفة مع كل من سوريا والعراق وأرمينيا هذا فى الوقت الذي يقطعون فيه خطوات حثيثة فى طريقهم إ لي أوروبا التى باتت تخشي منهم ومن إمكانية عودة نفوذهم إلي قلبها حيث وصلوا إلي أسوار فيينا قبل ثلاثمائة عام ، وفي نفس الوقت لقنوا إسرائيل دروسا فى السياسة والأخلاق والعسكرية عجز العرب مجتمعين علي أن يقوموا بشيء منها حتى مجرد الأحتجاج .

لقد بدأ وجه تركيا يتغير خلال سنوات معدودة ، لتخرج من دولة تعاني أكبر مشكلات اقتصادية وسياسية وعرقية وحدودية مع جيرانها إلي دولة تصنع تاريخ نفسها وجيرانها بل والمنطقة من حولها ، وقد أدرك الأتراك أن سياسة مليء الفراغ التى سبق وأن أطلقها الرئيس الأمريكي إزينهاور بداية الخمسينيات من القرن الماضي فى أعقاب تهاوي الأمبراطورية البريطانية تستدعي التفكير فيها فى أعقاب التهاوي والترنح الذي بدأته الأمبراطورية الأمريكية الآن ، وأنه لن يملأ الفراغ الذي ستتركه أمريكا فى المنطقة عاجلا أم آجلا إلا صناع التاريخ ، وإلا دول قوية وحكومات تسمع صوت شعبها ، أما الأقزام الذي مشوا ويمشون فى ركاب أمريكا وإسرائيل فإن مصيرهم سيكون لا شك من مصيرها ، وسوف ينالون ـ دون شك ـ مكانتهم المرموقة فى مزبلة التاريخ
أحمد منصور - الجزيرة توك 23-10-2009

.