.....فى الميزان.....


في الميزان
نظرية الشباك والشاكوش
‏‏بقلم: أشــرف عـبدالمنعم

دائما ما تكون التجربة الشخصية هي خير كاشف للحقائق التي قد لا يدركها الكثيرون‏,

‏ و ربما تكون هي خير فاتح لجحافل اخري من بشر

أن تنطلق علي درب جديد لم تألفه من قبل

‏-‏ هكذا حكي لنا التاريخ‏,‏ فكم من تجارب شخصية

كانت هي الباعث الحقيقي وراء أهم اختراعات و اكتشافات

تنعم بها البشرية حتي تاريخه‏!!

‏ أما الاهم من التجربة فهو الانتباه لها‏,

‏ورصدها حتي و ان كان الباعث شيئا تافها للغاية‏-

‏ أو هكذا يبدو في البداية‏.

‏وليس أدل علي ذلك من تجربة شخص مثل اسحق نيوتن‏,

‏ ليس فقط في مجال الجاذبية كما هو معروف للعوام‏,

‏و انما في مجال الضوء‏;

‏و هي التجربة التي اكتشف محتوها بالمصادفة ايضا

حين سقط شعاع الشمس في معمله فوق سطح منشور زجاجي‏;‏

فاذا بالضوء يتحلل إلي ألوان مختلفة‏,‏

ما أدرك نيوتن من خلاله أن الضوء حينما يتحلل فإنه يتحول الي ألوان الطيف الشمسي‏;

‏ وأن هذه الالوان حينما تندمج مع بعضها البعض فإنها تتحول الي ضوء‏,‏

ثم وللغرابة اذا بهذه النظرية العلمية المعملية البحتة

تكون هي أكبر باعث علي انطلاق حركة رائدة في رحاب الفن التشكيلي

كمثل المدرسة التأثيرية‏,

‏ والتي اعتمدت علي الضوء‏,

‏ فزحزحت الرسامين من بين جدران المراسم الي الطبيعة المفتوحة‏,

‏ يتنسمون الضوء وتأثيراته المختلفة في لوحاتهم‏.

‏مجرد واقعة طريفة دفعت شعاع شمس

كي يسقط علي منشور زجاجي

في حضرة

باحث‏(‏ منتبه‏)‏

ما أدي الي انتفاضة فكرية‏!!

‏و لأن الأيام لا تتوقف بفطرتها عن الجود‏,‏

ها هي واقعة طريفة أخري حدثت منذ أيام قلائل هذه المرة‏,‏

فيما طالعتنا به الصحف حول باحث بريطاني‏-‏ و يدعي ستيفز‏-‏

كان يصلح شباكا في منزله‏,

‏ عندما هوي‏'‏ الشاكوش‏'‏ الذي كان يستخدمه بقوة فوق أحد أصابع يده‏,‏

ما دفع الدم يغلي في عروقة كالمجنون

‏(‏ كلنا نعرف هذا الشعور السخيف‏)

,‏فاذا بالباحث ينهال بأقذع الشتائم و صنوف السباب

علي الشباك و‏'‏ الشاكوش‏'‏و العيشة و‏'‏ اللي عايشينها‏'‏ و الكل كليلة‏!!‏

فلما أفاق الرجل من هذا الشعور البغيض‏,‏

كان أن فطن الي شيء مهم جدا

ألا و هو أن أكثر ما أراحه و بدد الألم

في إصبعه المصاب و جميع أنحاء جسده المتعاطف في هذه اللحظة

كان

هو

تلك الشتائم

التي أطلقها علي عواهنها‏!!

‏ و لا عزاء وقتئذ للأدرنالين و الذي منه‏!!

‏و لكن اذا كان ستيفز البشر قد هدأ‏,‏

فان ستيفز الباحث لم يهدأ‏;

‏ حيث شرع في التحقق من صدق اكتشافه

علي نحو علمي

جنح خلاله الي المنهج التجريبي‏;

‏ و ذلك عندما شكل مجموعتين من بشر في فريقين‏,

‏ طلب منهما أن يخوضا تجربة مبهمة بالنسبة لهم

قوامها أن يضع أفراد المجموعتين

أياديهم داخل أوعية مليئة بالثلج و الماء شديد البرودة‏,‏

ثم طلب من المجموعة الاولي‏(‏ الضابطة‏)‏

ألا تتفوه بعبارة واحدة امتعاضا بطول التجربة مهما كان الشعور بالألم‏,

‏ في حين ترك حبل الشتائم علي الغارب للمجموعة الثانية‏(‏ التجريبية‏)‏

تتفوه بأقذر صنوف السباب اعتراضا‏!!‏

بدأ ستيفز تجربتة فتجلي معاملا الصدق و الثبات في سمائها‏;

‏ حيث استطاعت مجموعة الشتائم أن تستمر في التجربة لمدة طويلة‏,

‏ بينما لم تستطع المجموعة المهذبة الاستمرار سوي لثوان معدودة‏!!

‏انها طاقة الشتيمة

التي ما أن تتفجر علي ما بدا حتي يهدأ بركان النفوس المعذبة‏,

‏ و تلك ليست دعوة لمباركة الشتائم في شيء‏,‏

و لكنها تجربة علمية

أجريت في رحاب جامعة‏'‏ كيل‏'‏ البريطانية العريقة‏!‏

و ربما يفسر هذا أسباب تدني لغة المجتمعات المحبطة

دائما داخل المجتمع البشري الواحد‏;‏

فكلما تدني المستوي الاقتصادي و أحاط الفقر بمجتمعه‏,‏

تدنت اللغة و المفردات المستخدمة و خرجت الطاقة السلبية

ربما لتعادل حجم المرارة في النفوس‏,

‏ فيما ينحسر هذا التيار تماما‏(‏ تقريبا‏)‏ داخل المجتمعات المغايرة

بقدر يجعل من مجرد الجنوح الي هذه اللغة الوضيعة

ما يشين المرء في أوساطها و يجتذب احتقارا من المحيطين ما بعده احتقار‏.

‏و ربما يفسر هذا الاتجاه أيضا

تدني مستوي التخاطب في المجتمع المصري المعذب

اقتصاديا‏

‏ و من ثم ثقافيا‏‏

منذ سنوات و سنوات الي الدرجة التي أخشي ما أخشاه معها

هو أن تتحول

عموم الصورة الذهنية العربية عن المصريين

إلي صورة مقرونة دائما بسلاطة اللسان‏!!

‏و الله أعلم‏!