كتاب يقرأه العالم


دنيا الثقافة
‏السنة 133-العدد 44910
‏4 من ذى الحجة 1430 ه
21-نوفمبر-2009ـ
كتاب يقـرأه العـالم
يكتبه‏:‏ محمد عيسي الشرقاوي
الرقص فـي الظـلام
الثقافة‏..‏ وانهيار الحلم الامريكي
مؤرخ يقارن بين ميكي ماوس‏..‏ والرئيس فرانكلين روزفلت
فكرة جديرة بالتأمل وإمعان التفكير عن العلاقة بين الثقافة والأزمة الاقتصادية وتطرح سؤالا محوريا‏..‏ هل تطغي الازمة الخانقة علي الثقافة وتشيع العتمة في دروبها‏..‏ أم ان في وسع نخبة من الكتاب والفنانين الموهوبين ان يبدعوا أدبا وفنا رفيعا ينتشل الذين يعانون صدمة الازمة ويعبر بهم الي الضفة الاخري للشاطئ ضفة التشبث بالأمل؟
هذه الفكرة الجوهرية وسؤالها المهم ألحت علي كاتب أمريكي قدير هو موريس ديكستاين استاذ اللغة الانجليزية والدراما في جامعة سيتي بنيويورك‏..‏ ودفعته دفعا لتأليف كتاب‏:‏ الرقص في الظلام‏..‏ التاريخ الثقافي للكساد الكبير‏.‏
وكان الكساد الكبير قد ضرب الاقتصاد الامريكي بقسوة في اكتوبر‏1929.‏ وانهارت البورصة‏.‏ وتبددت حياة العديد من المستثمرين وافلس نحو خمسة آلاف بنك في خلال عامين وبلغ عدد العاطلين نحو‏16‏ مليون عاطل‏..‏ وانتشرت طوابير الانتظار للحصول علي الخبز‏,‏ وكانت الجماهير البائسة تبحث دون جدوي عن قوت يومها‏.‏
واطاح الكساد الكبير في خلال الثلاثينات من القرن العشرين بأحلام الرخاء‏,‏ وادي لأنهيار الحلم الأمريكي ويقول مؤرخ امريكي هو فريدريك لويس آلان عام‏1931‏ ان الرجال والنساء لم يفلت احد منهم من الآثار النفسية الكئيبة للكساد الاقتصادي‏,‏ ويؤكد آن موقفهم تجاه الحياة قد تأثر من جراء الانهيار المفاجئ والضاري للأمل‏..‏
وفي ابان عنفوان الكساد الكبير‏,‏ فاز فرانكلين روزفلت بالرئاسة في انتخابات عام‏1932‏ وعندما تولي السلطة عام‏1933‏ شرع علي الفور في تطبيق مجموعة من الاجراءات الاقتصادية لاقالة البلاد من عثرتها ويطلق المؤرخون علي برنامج روزفلت للإصلاح الاقتصادي اسم العقد الجديد‏.‏
عناقيد الغضب
وهنا يشير المؤلف الي الروائي الأمريكي الشهير جون شتاينبيك ذلك ان روايته عناقيد الغضب التي نشرها عام‏1939‏ كانت تعبر بصدق بالغ عن معاناة الامريكيين ابان الكساد الكبير‏,‏ وترصد في فصولها رحلة عائلة جود من اوكلاهوما إلي ولاية كاليفورنيا بحثا عن فرصة عمل‏.‏ غير ان رحلتهم البائسة لم تسفر عن القصد منها وانما تدهورت احوالهم وازدادت سوءا‏.‏
وفي ذات الوقت كانت رحلة عائلة دورثي اوفر حظا ذلك ان افرادها برغم الازمة كانت تسكن وجدانهم فضائل فردية مكنتهم من التغلب علي مخاوفهم‏,‏ وقد تسني لهم ذلك بمساعدة من الساحر الطيب اوز‏..‏ ويرمز هذا الساحر الي الرئيس روزفلت صاحب القول المأثور ان الشئ الوحيد الذي علينا ان نخافه هو الخوف نفسه‏.‏ وكان الساحر أوز هو فيلم امريكي جري عرضه في دور السينما عام‏1939.‏
وهنا يشير الكاتب موريس ديكستاين الي ما يطلق عليه ثقافة الهروب من الازمة غير انه لا يركز كثيرا علي هذه الثقافة ذلك ان الفكرة الاعمق التي يطرحها ويهتم بابرازها في بانوراما كتابه هي فكرة الازدهار الثقافي التي اقترنت بالكساد الكبير‏,‏ فقد اشتبكت هذه الفكرة اشتباكا شرسا مع الكساد‏,‏ وتمكنت بفضل صفوة من الكتاب والفنانين من اشاعة الامل مرة اخري‏.‏
ويقول ديكستاين ان الفنون الرفيعة في عقد الثلاثينيات حددت الخرائط السياسية لتحولات الحالة النفسية للجماهير‏.‏ وقد ابلت في هذا المضمار بلاء حسنا‏.‏ ذلك أن إنهيار الحلم الأمريكي كان انهيارا جسيما وفادحا‏,‏ فقد ادركت البلاد ان العمل الشاق والجاد لا يعني بالضرورة تحقيق الغني والثروة ومن ثم فإن الأزمة الاقتصادية دفعت الكثيرين للتركيز علي فكرة الضحية‏..‏ وكيف ارغمت الازمة بعضا من ضحاياها للانحراف نحو الجريمة‏.‏
روايات البروليتاريا
ومما لا شك فيه أن جهود الرئيس روزفلت وبرنامجه المعروف باسم العقد الجديد قد حقق نجاحات ملموسة مما اعاد التفاؤل للانسان الأمريكي العادي‏,‏ ويشير الكاتب الي ان ذلك يبدو بوضوح في اعمال روائية من ابرزها روايات هنري روث ومايك جولد‏,‏ وقد مهدت المشهد الادبي لما يطلق عليه روايات البروليتاريا‏..‏ اي روايات الطبقة العاملة الكادحة التي تناولت تجربة الحياة في أتون الفقر الناجم من ازمة الكساد الكبير‏,‏ ويري الكاتب ان هذه الروايات حظيت بجمهور غفير من القراء الفقراء‏.‏
والواقع ان براعة الكاتب تكمن في قدرته الفائقة علي اصطحاب القارئ في رحلة طويلة علي صفحات كتابه للتعرف علي كتابات ومؤلفات عديدة‏,‏ وافلام سينمائية ومسرحيات‏,‏ بل واغان ورقصات‏.‏
ويهتم الكاتب بالاشارة الي فيلم هيا نرقص الذي جري عرضه في دور السينما عام‏1937‏ واضطلع فريد استير بدور البطولة فيه‏.‏
ويلمح الكاتب الي ان الموسيقي والرقص كان لهما دورهما في الخروج من ظلام الازمة الاقتصادية لقد انقذا الامريكيين من الكآبة والتعاسة‏.‏ ويري ان ثقافة الرشاقة التي يمثلها فريد استير لم تكن اناقة ابطة العنق ولا الحلة التي يرتديها‏,‏ وانما كانت اناقة المشاعر‏,‏ والاشراقات الروحية الداخلية‏,‏ وهي التي انقذت الكثيرين من المعاناة الاجتماعية‏,‏ فقد تشبثوا بالايقاع وتدفق الحركة وانسيابها‏,‏ وتلك أمور كان الكساد الكبير يسلبها منهم‏.‏
والطريف ان الكاتب يشير الي والت ديزني وشخصياته الشهيرة‏..‏ ويري انها كانت عونا للناس علي إمكان الافلات من تعاسة الكساد الكبير‏,‏ ويسوق قولا يتسم بالاستفزاز للمؤرخ وارين سوسمان يري فيه ان ميكي ماوس يعد اكثر اهمية في تفهم عقد الثلاثينيات من الرئيس فرانكلين روزفلت‏.‏ ويشير الكتاب الي ان الروايات والقصص والاغاني والافلام والرقصات الناجمة عن صدمة الكساد الكبير قد اسهمت في تشكيل رؤية جديدة تمخضت عنها حالة الرفاهية التي ظلت مستمرة حتي تولي الرئيس ريجان السلطة عام‏1980‏ فقد انتهج سياسات اقتصادية جديدة كانت بداية لانطلاق ما يطلق عليه الرأسمالية المتوحشة‏.‏

واخيرا يعلق كاتب امريكي هو آدم بيجلي علي كتاب الرقص في الظلام بقوله‏..‏ إنه دراسة رفيعة لعقد من التاريخ الثقافي الامريكي اما الكاتب البريطاني جوناثان بيرشال فيرشح الكتاب ومولفه للفوز بجوائز أدبية وفكرية عديدة‏.‏