ناس ما اعرفهاش ومصر اللى ما شفتهاش!



ديك رأس السـنـة


بقلم‏:‏ ســنـاء البيـــسي


إلي دائرة الشمس المنعكسة من فتحة الستار فوق رسم الأسد


المعتلي ظهر الغزال في صرة نسيج السجادة الكاشان‏


‏ قامت لتتمطي وتطوح بجذعها يمين شمال‏,‏ وفوق لتحت‏,‏ وثني فرد‏,‏


وبعدها استغراقا في ممارسة رياضة الميديتيشن الروحانية


التي عند الوصول لأعلي مراتبها نفتح طاقة نور‏,


‏ أحدث تقاليع الناس الهاي من بعد اليوجا‏,‏ بهدف التسامي والارتفاع عن أرضية المشاكل‏,


‏ والطيران لفوق بعيدا عن بلاوي الواقع‏,‏


لإزاحة انشغال البال وجدار المحال وهموم الرجال وقرف العيال


وما يعقبها من مضاعفات الاكتئاب‏.


.‏وعند حد الشعور بالاكتفاء في تدليل مخها


تركت الساحة للأسد يرتع كما يشاء فوق الكاشان‏,


‏ وذهبت تخطف الروب من فوق الشماعة لتخطو تجاه الشرفة الزجاجية الشتوية


تزيح ريش النعام الذي التف حول الذيل الساتان بطرف فراء خف قدمها


كي لا يعرقل من سير خطواتها الوسنانة إثر الاستغراق في الميديتيشن


الذي بدد بالفعل آثار كابوس ثقيل


رأت فيه زوجها الرجل الأمير الطيب المهاود المناول المطاوع السلس اللارج العسولة‏


..‏ رأته مكشرا عن أنيابه زاعقا فيها حتي ظهرت لهاته في آخر زوره‏:


‏ أنا قلت لأ يعني لأ‏!!


‏رفعت وجهها لتتلقي بشرتها عطاء الأشعة البنفسجية المخترقة


للسطح البللوري في الدور العاشر المطل علي النيل الخالد


الراقد أسفل مستوي النظر في أوسع نقطة كأنه البحر‏..‏


بأصابع مثقلة بقراريط الماس الحر مشطت خصلات شعرها


الذي اكتسب بالأمس لمعة اللون الشاتان مع إضاءات الهاي لايت


لتعيد لتسريحة نفور النهايات ــ كمظهر القنفذ ــ إطارها المستحدث‏,


‏ وبحركة رشيقة لأظافر مربعة علي لونها الطبيعي تبعا للموضة


التقطت بونبوناية صغنونة لوضعها فوق اللسان بغرض استحلاب الكراميل‏..


‏ألقت بجسدها تمدده مسترخيا فوق الشيزلونج الحاضن تحت الشمس الغامرة


محررة القوام من زمتة الروب وحزامه‏,‏


وداست جرسا فظهر السفرجي في الحال‏..


‏ طلبت مياه أفيان وفنجان سادة بن غامق وشعرة لبن نستله


وترانش كيك زي ورقة السيجارة من غير زبيب ومن غير مارون‏..‏


من غير إيه؟‏!!‏ أيوه وبالذات المارون وكمان طعم البرتقال أو القرفة‏.


.‏ و‏..‏


عندما استدار ليلبي تذكرت طلبا آخر‏..‏ وآخر‏..‏ وآخر‏..‏


وآخرتها يشوف لها مصر اليوم ومجلة المصور وملحق السيارات‏,‏


ويشوف لها إذا ما كان البيه صحي وراح الحمام‏,


‏ وإذا ما كانت قفلت دش الجاكوزي‏,


‏ وإذا ما كانت ساعتها الكارتييه تحت المخدة‏,


‏وبالمرة يفتح في سكتة باب الجناح علي الريسبشن


ويقول للبنت الفلبينية مفيش اجازة لا بكرة ولا بعده وتتنيل تهمد لأول الشهر‏,‏


ويطلب الشوفير يطلع العربيتين‏,‏


ويشوف البيه الصغير ر جع من سهرة أصحابه وقلع جاكتته‏,‏


وشنطة الهانم الصغيرة رامياها كعادتها علي رخامة الباهو جنب الباب


‏..‏ و‏..


‏أمرته قبل المغادرة يشد ناحيتها ترابيزة التليفونات‏:‏ الموبايل واللاسلكي والأرضي‏,


‏ ويدور من بعيد كاظم الساهر في شعر لنزار‏,


‏ ويقول لأ مالوش حق لفريد الأطرش ذكراه يا روحي فاضل عليها يومين


‏..‏ و‏..


‏أكثر من واحدة استحضرتها الآلوووه الممطوطة المميزة بخنفة تعليم أجنبي انترناشيونال


يرفع فيها طرف اللسان ليلتصق بسقف الحلق


لتدمج النون الدخيلة مع تشكيلات مد البوز علي هيئة القبلة‏..‏


وأكثر من مرة


انقطع سيل الضحكات وخط سرد أحدث أخبار الزواج


والطلاق والخناق والخلع والصلح


والشغالات وفيللا مرسي علم وشاليه الجونة‏..‏


انقطع البث التليفوني بسبب كاتو كلبها اللولو الشقي


الذي قفز مرات لحجرها


لتسكب له في طبق فنجانها نقطتين قهوة باللبن ليلعقها كعادته في الاصطباحة‏,


‏ ووضعت الموبايل بعيدا وسط الحديث


عندما اعتلي كاتو صدرها مزيحا في طريقه انحدارة الساتان ليتشمم رقبتها وأذنيها


فماتت علي روحها من الضحك‏,


‏ وكاد مرحها المتفجر أن يتحول صراخا


عندما ارتكز الملتاث بساقيه الأماميتين علي كتفها ليبادل بغبغانات القفص الهوهوة‏..


‏و‏..


‏فجأة تتذكر مع محدثتها الأخيرة


أنهما لم يلتقيا في عمرة أو في سهرة أو عزومة


أو نادي أو عند الكوافير أو الترزي أو في سيتي ستار


أو في الجيم من شهر أو شهرين‏..‏ وأكثر‏..‏


وأن الشلة كلها لم تلتق من بعد مصيف مارينا


وبورتو وهايسنده وسيدي عبدالرحمن والدبلوماسيين‏,‏


وفرصة يا روحي نلم الشمل قريب في رأس السنة‏..


‏ بلاش السنة دي سهر في الأوتيلات‏..


‏ هيصة والحابل في النابل وصاحبك السنة اللي فاتت رجع للبيت شايل طاجن سته


ــ التركية الزربونة ــ


من تصرفات سامي‏.


.‏حقيقي سمسم كان زودها قوي مع إني حاولت وحياة راس مامي أصده وأوقفه


عند حده أكتر من مرة‏,‏ لكنه كل ما أروح بعيد يلاحقني بهزار ونكتة‏..‏


السنة دي مش عايزة أضايق سي السيد


خصوصا إن بتوع المعارضة زانقينه في خانة اليك وقارشين ملحته‏,


‏ وكل ما يحط إيده علي خده من زهقه في الاجتماع


يخطفوا له صورة للنشر وتحتها تعليق يودي في ستين داهية‏,‏


لكننا ماشيين في سكة الطناش زي اسم النبي حارسها وضامنها الحكومة‏,‏


وسايبينهم يهاتوا ولا احنا هنا‏,‏فنصيحة الخبراء وكونسلتو الأفوكاتو‏,


‏ وكل من وقع في زنقة مماثلة وطلع زي الشعرة من العجين وسافر بلاد بره يروق دمه‏..‏


النصيحة تخن ودانك و تركهم يأذنوا في مالطة واحنا هنا ولا احنا هنا‏,‏


فآخرتها حينهدوا حتي ولو وقفولهم حبتين علي سلم نقابة‏,‏


فهناك الدفع بعدم الاختصاص‏,


‏ وعدم وجود الأدلة‏,


‏ وخفوت شهوة النشر


والتشهير كطبيعة الأشياء‏,


‏ وفركشة الشهود


وموت ياحمار‏..


‏ النصيحة اتباع سياسة النفس الطويل والبرود المتناهي والدنيا ماطارتشي


ونهار بعد بكرة له عينين والتحرك الطبيعي وابتسامة الثقة والتعليق المقتضب أو لا تعليق‏


,‏ ولابد في النهاية حيدوروا علي غيرنا ينتفوا وبره


من أجل دوران المكن بدم طازة جديد‏.


‏خلاص السنة دي السهرة عندي وبلاها من سامي‏..‏


طبعا طبعا يا حبيبتي حتلاقوا ديك برعي بالخلطة


ما إنت عارفة في أي عزومة لابد من برعي


وطبقه الاسبسيال‏..


‏ الدندي‏..


‏ بس ادعي معايا يكون فاضي ليلتها


لأن الحجز لابد يتم من قبل العزومة بشهرين وتلاتة‏,‏


وتصوري أنه اعتذر لمهجة وبوسي ونانا وشريفة


وصاحبتنا إياها اللي كانت فاكرة إن أحلامها أوامر


وإن مركزها يأمر


فز قوم يا عبدالعاطي ييجي يطاطي‏..‏


عموما أنا مطمئنة لأن برعي عارف ودارس وداهس مستوي شلتي‏..‏


جميل بك نار علي علم ومفيش علي الحجر غيره‏,


‏وعزيز باشا البغاشة اللي صوره مالية الجرايد بيقص فيها الشريط الساتان‏,


‏ وسيادة السفير رأفت النموذج المثالي للإكسلانس


وأحسن واحد يقول نكت من إياها بوش جبس كأنه بيقدم أوراق الاعتماد‏,


‏ وشوكت بك عبدالجواد فاكراه يا روحي اللي سافرنا لفرح بنته في رودس بالطيارة‏,‏


ومحمد بك عبدالوهاب اللي جات ع طبطاب معطرة مبخرة‏,‏


جبل التوباد واليورو‏,‏


وحمدي الخربوطلي الملياردير الرايق المكشوف عنه الحجاب‏,‏


وجبران المالكي وده بيعزم روحه من غير حد ما يعزمه‏,


‏ وسيادة العميد السابق شعبان اللي ماسك زلة لأكثر


من واحد فيهم أيام ما كانوا وكان‏,‏


وخالد بك العريان العايق المتضايق اللي رجل هنا ورجل هناك‏..‏


وكل واحد فيهم يشرف وفي دراعه الزوجة السابقة


أو الحالية أو مشروع جواز معلق في الهواء يقدم


لنا صاحبته باقتضاب علي أنها مدام فيفي‏,‏ ونجوي هانم‏,‏ والعزيزة كوثر‏,‏


وست الكل ماهيتاب‏,‏ والاستاذة سلوي مننا وعلينا ولغاية هنا وبس‏..‏


وأي واحد فيهم إن لم يكن رجل أعمال يبقي علي الأقل وزير ولا سفير


ولا سيادة النائب ولا بالقليل القليل رئيس مجلس إدارة‏,‏ وبالطبع لابد في المدعوين


من صنف الدكاترة في جميع التخصصات وخصوصا أصحاب المستشفيات


والمعامل الخاصة‏,‏وانت أكتر واحدة عارفة نقطة ضعفي تجاه شريحة الدكاترة‏..‏


والممنوعين عندي جماعة البلاط اللي راقدين لنا في الدرة


وتلاتة أرباع أخبارهم تفصيل ومضروبة‏,‏ لكن مايمنعشي


من واحد أو اتنين نقاوة قومي من اللي تنفخيه يزمر‏..‏


وعلي ذكر تحابيش العزومة لابد من تطعيم القعدة بالحلويات


بمستوي عالي من النجمات السوبر ستار لأن أصحابنا الواحد فيهم


مهما قعد علي كرسي يموت يهزر مع الصنف العرسي‏..


‏ اوعي تعتذري يا وحشة‏..‏ ليلة ألفين وعشرة عندي‏..‏ كنت عايزة سامي؟‏!


‏ ماكانش ينعز أعمل


إيه في مولانا


بقي بيحقن في روحه وحصالته ضيقة لا علي حامي ولاعلي بارد‏.


.‏ في انتظارك وهابي نيويير من دلوقت


ووالله والله وحياة عمرتي مع روح شرف لو ماجتيش حاخصمك‏.


‏حكاية ديك
برعي
تعود لزمان طفولته في الحارة


عندما كان يحمل سبت الخضار ليسير به خلف والده الطباخ الوقور


إلي سراي الباشا في العباسية الشرقية


سكن الذوات وقتها مع شقيقتها في الدفء والهواء النقي حلوان‏.


.‏ بعد البوابة الفارشة بعرضها وفنون حديد طرقها طول الرصيف

في جزيرة لوحدها وسط الميدان‏,

‏ وبإحصاء سبع شجرات جازورينا أطرافها لعنان السماء

يمرقان بعدها وسط الجنينة الغناء من باب ضيق إلي مطبخ السراي

الذي تقود إليه طرقة طويلة ضيقة بلاطها مربعات أسود وأبيض رخام‏,‏

تنيرها في السقف لمبات خافتة الإضاءة ببرانيط سوداء معدنية

تتأرجح بحبالها لتصنع ظلالا فوق الحائط‏,‏

وتقود الخطوات في النهاية لدولاب الخزين الزيتوني

الذي يجثم كحارس الكنز علي فتحة المطبخ‏,‏

وإن كانت الحارسة الحقيقية هي

دادة حواء العجوز

التي تطل علي الكنز بمفتاح معدني سميك وقصير

في نهاية دوبارة متسخة داخل جيبها المشقوق في جنبها‏..

‏ تدخل برأسها بين الضفتين لتكيل من زلع السمن المرصوصة

ومن أجولة الأرز والبقول والسكر وعناقيد البصل والثوم‏.

.‏ وكانت من مهمات برعي الصغير تنظيف الخضار بطريقة الحك

وليس بالتقشير المتعدي علي كيان الثمرة‏,

‏ وتقشير الثوم من بعد نقع الفصوص لضمان سلامتها‏,

‏ ومسح الأرضية اللزجة‏,‏ والوقوف أمام أوعية الحوض

يرغي صابونة متخشبة في خشونة لوفة رافضة الرغي‏,‏

مع تنبيه الوالد لاقتراب الخطوات أثناء انهماكه في دس السمن

أو اللحم أو دبابيس الطيور أو جوزة الطيب في العلبة الكرتون المخبأة في الرف الأخير‏

..‏وكانت لحظات فسحة
برعي
عندما يدعي مطاردة القط الحرامي

فيخرج إلي حديقة السراي

يراقب العيل ابن الباشا

الذي يبدل بساقيه فتجري به عربته الصغيرة الحمراء بين ممرات أحواض الزهور

‏..‏ أكثر من مرة

اعترض برعي عربة البيه الصغير

بابتسامة رشوة كجسر للتعارف

فقد يمنحه من بعدها لفة يدور بها داخل العربة المعجزة‏,

‏ لكن بلا طائل‏,

‏ فالواد اللعين كان يستدير بالدركسيون تلقائيا

وكأن برعي مجرد حائط أو حجر زاوية يعترض طريق المرور‏.

.‏ في شهور الصيف عندما تسافر عائلة الباشا لأوروبا‏,

‏ ويرسله والده للاستفسار عن موعد عودة الجماعة‏,

‏ كان يختلس لحظات انشغال البواب أو ركوعه في الصلاة ليتسلل للحديقة‏,

‏ حيث لا يعنيه وقتها ركوب العربة الصغيرة المتربة المركونة تحت الشجر‏,‏

وإنما يمرق كالسهم لإشباع شهوته العارمة

في الزحلقة فوق سور الدرابزين الرخامي لجناحي سلاملك المدخل‏.

‏علي فراش الرحيل رفع والد برعي يده الضخمة المترهلة بأصابع الخبرة السابقة

التي كانت تلف بالحرير والتي لفت فدادين ورق عنب‏,‏

وقورت غيطان باذنجان وقرع‏,‏ وشوت حظائر كستليتة‏,‏

ووسدت تلالا من صواني الرقاق في الأفران‏,‏

وكعبت وثلثت ودورت وصبعت وربعت من الحلوي جبالا‏,‏

ومن المقبلات والمشهيات والأوردفر وسلاطين الشوربة محيطات وأنهارا‏..

‏ رفع الأسطي يدا مرتعشة يملس بها علي شعيرات لحيته البيضاء‏..

‏ و‏..

‏حاول يائسا فتح جفنيه وسط سطور العرق المنهمر من الجبين الملتهب‏,

‏ وفي غبشة النظر المنسحب

أشاح لامرأته المتخشبة في الواجهة أن تأخذ أمها وعيالها وأولاد أختها والجيران

ليغادر الكل المكان‏..

‏ماعدا برعي ابني‏..‏

سامعة يا ولية‏..

‏ هاتي لي برعي جنب راسي

وغوروا كلكم بره وخدي الباب معاك‏..

‏ اسمع يا ابني قبل ما يوفي الأجل

يمكن تكون شفتني وداريت علي أكتر من مرة

وأنا باجنب حتة لحمة أو قالب زبدة

أو راس توم ده داء يا ابني في أولاد الكار‏,

‏ وعموما ربك غفور رحيم وكلها رفايع

لأن الحرامي الحقيقي بيسرق جمل مش ورك فرخة ولا زلمكة ديك‏..

‏ وسيبك من ده وده

وأنا رايح لحساب الملكين ورحمة اللي خلقني

لكني حريص قبل طلوع آخر نفس أورثك كلمتين فيهم البهريز‏.

.‏ مهنتنا يا برعي فن وخبرة وهندسة‏,‏

والطبيخ نكهة ونفس‏,‏ واللي يطلع ما بيننا الألفة لابد يكون عنده نظر‏,

‏ويحتكم علي حاسة شم فوق مستوي كل البشر‏,‏

وإيده تكون طايلة في مسألة الخلطة والدعك ودقة المقادير

وشعرة الفلفل وتشويح الزفر‏,‏ وغير كل ده لابد من أن يكون له سر في بير‏..

‏ السر همس به جدي الله يرحمه

لأبويا في الخفاء‏,‏ وأبويا يجعل الجنة مثواه أخذه منه لا يعلنه

وقبل النفس الأخير قاله لي أنا وحدي

دونا عن جميع أخواتي الوارثين مهنته‏,‏

لكني كنت خلاص فقت الكل في الصنعة

وشهد والدي أمام الكل بأنه قرأ في عيوني النبوغ

وعرف اني حاطلع واد مخربش من ساعة ما كنت في اللفة‏,‏

وأنا بدوري يا برعي أحملك مسئولية السر

لأجل تشق طريقك كمثل السكين في الزبد

ويبقي لك شان وشنشان‏,

‏وعلي رأي المثل

ولا كل من ركب الحصان خيال‏,

‏ ولا كل من لبس زنبيل ومسك في إيده الكبشة بقي شيف‏..

‏ السر يا برعي يكمن في تحويجة الزفر‏..‏

تحويجة السر تضاف للخلطة في السر‏,

‏ وقرب يا برعي الحيطان لها ودان‏..‏

مقدار نصف درهم

مزاج من نوع نقاوة شبارة

لا تبخل عليه بأيتها ثمن‏,

‏ تسحقه مع جوزة الطيب‏,‏

ونصف ملعقة جنزبيل وحفان بردقوش ومثله من الكاري

ومقدار سماق ومقدار زعفران وحبة البركة

وفلفل أبيض وخمس فصوص مستكة وكستبان مية زهر

ومثله ميه ورد ومقدار نصف فنجان سكر نبات

ومكيالين زيت زيتون بكر ومثلهم خل تفاح

وورقتين لورا ونصف كوب كسبرة

واوعي تنسي الروزماري والزعتر يكون لبناني ماهوش سوري‏..

‏يشوح الكل مع مقدار خمس حمصات من دهن ذيل الثور

في طاسة متوسطة محكم عليها الغطاء‏,

‏ مكتوم علي بخارها من بعد إلقاء مكعب فحم قايد يطش بالداخل‏,

‏ وتعد يا ابني علي السبحة لغاية الرقم المقدس تسعة وتسعين‏,

‏ وبعدها ترفع غطاء الطاسة لتترك في تيار هواء تبرد براحتها‏,‏

وإذ بردت تضاف التركيبة للخلطة من تحت مش من فتحة الرقبة‏,‏

وأفضل صنف زفر

يا برعي

يظهر فيه الطعم المميز لطهي عيلتنا هو الديك الرومي

اللي لما أخذني جناب السفير معاه لأمريكا لقيته هناك اسمه التركي‏,

‏ وفي سفارتنا بالنرويج كان اسمه الكلكتي‏,

‏ وعند العرب اسمه الحبشي‏,

‏ وإن كان من ناحيتي أفضل اسم الدندي الفرنساوي‏,

‏وكل حاجة فرنساوي لها عندي يا برعي معزة خاصة‏...‏

وفي عزومة الأمير الكبير بعدما أكل المدعوون

وقعدوا متبنجين متبخرين فوق الكنب يشربوا قهوة الحبهان في الكستبان

لزوم الهضم سمعت دكتور الأمير اللبناني

بيقول لهم إن الحبشي بالذات يتميز عن جميع الطيور

بكم التريبتوفان اللي فيه واللي بيدخل في تركيب حاجة اسمها السيروتونين

المسئول في أمخاخنا عن الحالة المزاجية‏,‏ وعن فتح الشهية‏,‏

وأن الفضل يعود إليه في كبح جماح الغضب والعصبية

ولما الواحد روحه تبقي في مناخيره ويبقي الابلاتين لدع‏,‏

وفوق كل ده وده أنه بجلب النعاس المريح لكل من عز النوم عليه‏,‏

ومن هنا صدق اللي قال‏:‏ أكل الحبشي عجب وأصحي للون يابرعي‏.

.‏بالطبع بعد الأب ما راح لحاله عند بارئه

حمل

برعي علم المسيرة وتولي مسئولية رفعة الدندي‏,

‏ ودخل تجارب كثيرة خرج منها بنتائج أفضل وإيجابيات أكثر تأثيرا

في مسألة التحويجة مما جعله مدرسة حتي إن زملاء المهنة

في ساعة مزاج أطلقوا عليه اسم

برعي الرومي نسبة إلي اعتلائه عرش الرومية‏.

.‏ الشهرة دفعت ببرعي لسفاراتنا وقنصلياتنا ومكاتبنا في الخارج

علي نسق والده لتتلقفه زوجات السلك الدبلوماسي‏,

‏ وهناك قام بطهي ديوكه بالخلطة السرية لضيوف علي مستوي عال

والكل خرج مبسوط‏,‏ ومن خمس ست سنين قرر برعي عودة نهائية

لأرض الوطن

بعدما شبع من بلاد الخواجات وبلاد تركب الأفيال ودول معاملاتها بالريال‏

,‏ومن تحويشة الديوك وخلطة التجارة

السلسة في الاسترليني والمارك والين واليورو

اشتري في سكة الفيوم مزرعة لتربية الرومي فقط‏,‏

ما أن يصفر لها من فوق الجسر عن بعد

حتي تخرج من أقفاصها لتقف علي باب المزرعة مرحبة به بأسلوب الكركرة‏,‏

ويوم ما ركب المرسيدس بشوكها

ملأ خزانها بنزين سوبر‏95‏

وفتح الكاسيت علي طلب عشان أنول كل الرضا يوماتي أروح له مرتين‏,‏

وساق للعباسية الشرقية‏..

‏ هناك‏..‏

مكان السراي ودولاب دادة حواء الزيتوني وسلاملك الرخام

طلعت عشر عمارات كرتون وورش تصليح ومستوصف ومنزل لمترو الأنفاق

واستوديو تصوير وقهوة انترنت ومدارس سرحت فصولها في هوجة الخنازير‏..

‏بالتمام في الثامنة صباحا

صوصو الجرس

ففتح السفرجي باب شقة الدور الثامن في المنزل المطل علي النيل الخالد في

أوسع نقطة كأنه البحر‏..

‏ دخل رجلان أنيقان يسألان عن مكان المطبخ والأوفيس وأطقم السيرفيس‏..

‏ مساعدا مسيو برعي الشيف‏..‏

بعدهما دخل البواب

قادما يحمل علي مرات أطنان مستلزمات وليمة رأس السنة

وديكا روميا عاريا داخل غطاء نايلون في حجم عجل الجاموس‏.

.‏ في الثامنة مساء صوصو الجرس‏..

‏ الشيف

برعي

ذات نفسه حضر

ببدلة غامقة وكرافتة سواريه بدبوس فص ألماظ وفص مالاكاي

يحمل في يده حقيبة ثمينة من جلد الكروكودايل‏..

‏ يدخل مسرعا تجاه المطبخ ناظرا للأرض

كدخلة الدكتور لحجرة الكشف

دون النظر لمرضاه في صالة الانتظار

بحجة ضيق الوقت وعدم مجاملة أحدهم من قبل دوره‏,

‏رغم أنه ما إن يضع سماعته حتي يلقي سؤاله المعهود علي التمورجي

عما إذا ما كان هناك أي من المسئولين أو الإخوة العرب في الخارج‏..

‏ سؤال برعي هنا غاية في الاختزال والرد مثله مختصر ومختزل

يحمل كل المطلوب والمفيد‏..‏

كله تمام؟‏!

..‏ تمام يا افندم‏..

‏ هنا يسارع المساعدان في معاونته لتغيير ملابسه‏,‏

وأمام الحوض ينهمك في تنظيف أظافره مرات بفرشاة دقيقة‏,

‏ ثم رفع الذراعين لأعلي في انتظار فوطة معقمة

قبل إدخال اليدين بسرعة فائقة في الجوانتي

حتي لا تسبب لحظة عري

ما بين الجلد الحي والكاوتشوك

في تسرب ميكروب طائر كده ولا كده لا سمح الله‏,‏

ثم استدارة جذع

تتيح للمساعدين

إمكانية تمرير أكمام البالطو الأبيض في الذراعين وإحكام إغلاق الأزرار من الخلف‏,

‏ثم إلي المنصة حيث يتمدد الديك المسلوق سلفا في حجم عجل الجاموس‏..‏

و‏..‏

يسود السكون يلف المكان كأن علي رؤوس الجمع

تقف الطيور في مراقبة لحظات حاسمة

يفتح

الشيف

برعي

فيها حقيبته الكروكودايل

ومن علبة صدفية أنيقة يخرج التحويجة

ليواريها في سرعة فيمتوثانية الدكتور زويل

داخل الخلطة المركونة علي الجانب‏,‏ ومن بعد زفرة الارتياح

يناوله مساعد الجناح الأيمن مشرطا

من مجموعة الأسلحة المرصوصة تبعا لتوالي الطلب‏,

‏ فيقوم بالتسديد من أسفل وصنع فتحة مثلثة الأضلاع ينظر إليها من علي بعد لمعاينتها‏,‏

وما أن يومئ برأسه علامة الرضا

يتقدم المساعدان لحشو الفتحة بالخلطة‏,‏

ثم تراجعا منهما‏,‏

وتقدما ثانية منه بإبرة وخيط

لضم الأنسجة بغرزة عش الغراب

بعدما يتم تكتيف المحروس المسجي ودفع قدميه عنوة داخل مثلث الاستقبال‏..

‏و‏..‏

قبل نزع فردتي الجوانتي

ومن زجاجة دقيقة في جيب مستتر داخل غطاء الكروكودايل

يسكب الشيف برعي قطرات علي كفيه

يدلك بها بمنتهي الروية والمرونة والمران والاهتمام جسد الديك

ووسطه وأضلعه وطبلته وتحت إبطيه ومع دوران الأوراك‏,‏

فتفوح الرائحة الشهية العطرة

وكأن الديك قد تجاوب مع لمسات الحنان

من قبل زجه في الفرن الكهربائي المنضبط علي درجة متوسطة فهرنهايت‏,‏

ولا يفتح عليه الباب سوي ثلاث مرات‏,‏

في الثالثة يشق برعي الطبلة ليسكب عليها هي الأخري

بحساب شديد دمعتين من محتوي قنينة زرقاء مستديرة تخرج

لكفه فجأة وكأنه

الحاوي‏..‏

و‏..

‏في التوقيت تماما يرتدي برعي زيا ناصع البياض

يهندس النشا أطرافه وثنياته‏,

‏ ويميل ليحكم مساعد الجناح الأيسر من وضع الزمبيل علي رأسه‏

..‏و‏..

‏علي كف واحدة يحمل

برعي

نتاج عمله الخلاق ليخرج به لامعا أنيقا مزوقا معطرا

مطرزا مقطعا ترنشات متعة للناظرين‏,‏ فتنطلق تأوهات الإعجاب ويسيل اللعاب‏..

‏ يعود

برعي لارتداء بدلته الغامقة علي عجل

ويعدل من وضع دبوس الكرافتة

وينتظر في الصالون الصغير الجانبي يقلب في التحف

وينظر أسفل قواعدها بعيون خبير كان له حظ زيارة مصانع بلادها للاقتناء‏..

‏ تدخل الهانم

فينحني باحترام مبالغ فيه مما يدفعها للضحك

ورفع الكلفة ومد يدها لزغده في كتفه من قبل منحها لفمه لطبع قبلته المتكلفة عليها‏..

‏ ولا ينطق

برعي

سوي بجملة واحدة علي هيئة سؤال‏:‏ الجماعة مبسوطين؟‏!!

‏ فيأتي الرد علي هيئة سؤال جوابه في بطن الشاعر‏:‏

انت شايف إيه؟‏!!..

‏ولضيق المجال تناوله مظروفا مغلقا يضعه في جيبه

بسرعة وضعه لتركيبته السحرية دون النظر إلي محتواه‏,

‏ ويعاود الإنحناء في تراجع انصرافه للخلف‏..‏

تفتح له المرسيدس أبوابها بزرار الريموت من قبل هبوطه بالأسانسير

ليلقي بالكروكودايل فوق المقعد الخلفي ويطأ البنزين في طلعة أمريكاني‏.

.‏في أوان الضحي ظلت أجراس التليفونات

واستدعاءات الموبايلات بالموسيقي والأغاني

ترن

وتزن

وتعزف

في الشرفة الشتوية ولا من مجيب‏,

‏ اللهم إلا الرد القادم من قفص البغبغانات بآلووهات ممطوطة بخنفة تعليم أجنبي‏..‏

دار كاتو الشقي حول نفسه في بقعة الشمس محاولا الإمساك بذيله بفمه‏,‏

ولأنه كلب ابن كلب

طلعت جنونته فجأة في الوثوب للداخل لدفع باب غرفة النوم الذي استجاب له في الحال‏..

‏ قفز إلي الفراش الدافئ للبحث عن الرأس الغاطس في ريش الوسائد‏..‏

شمشم رقبتها ولعق طرف أذنها وعلي طرف الطبلة

قال هو يعني بها‏:

‏ قومي بقي كفاية نوم‏..‏ دغدغتها أنفاسه ولهاثه ولهجة استدعائه

فخرجت ضحكة محشرجة كلها نوم‏..‏

و‏..

‏امتدت ذراع عارية من تحت الأغطية

لتمسك أصابع مثقلة بخواتم الماس بسماعة التليفون المجاور

الذي لا يهمد رنينه

ونسيت نزع فيشته قبل النوم‏..‏ بونجور عليك‏..

‏ وانت طيبة كمان‏..‏ هي الساعة بقت كام‏..

‏ سامعاكي وأنا معاك‏..‏

من السهر همدانة وتعبانة ويمكن أنام مطرحي لبعد بكرة‏..

‏ عايزة نمرة

برعي؟‏!!..

‏ يا اخواتي‏..‏ دلوقت؟‏!!..‏عجبك قوي

ديك

برعي‏..

‏ حاجة تدوخ صحيح‏..‏ طبعا خرافة‏..‏ مش قلت لك اسبسيال‏..

‏ سكرتيرته ترد تاخد منك التاريخ وعدد المعازيم

ويمكن أسماء بعضهم ومراكزهم‏..‏

برعي

بيحب كده‏.

.‏ أبدا أبدا فيريمو مش غالي بالمرة‏..

‏ أنا شخصيا لأني زبونته من سنين وسنين

بيسيبني أقدر فنه من غير تدخل منه‏..‏

ظرف فلوسه لوحده غير إكراميات المساعدين

وبدل الانتقال وتكاليف الأصناف وكلفة الإكسسوار

وصنف الفاكهة والحلويات ده غير الديك ولوازمه‏..‏

حقيقي يا شيري أنا حسيت من قلبي ليلة إمبارح إن الكل خرج مبسوط‏..!