الســــــيدة زينب


هو و هي السيدة زينب‏
..‏مدد‏..‏ يا بنت بنت النبي
أياما معدودات‏..‏ وتهتف الأفئدة قبل صلاة عيد الفطر وبعد تمام صوم رمضان‏:‏ اللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آل سيدنا محمد وعلي أصحاب سيدنا محمد وعلي أنصار سيدنا محمد وعلي أزواج سيدنا محمد وعلي ذرية سيدنا محمد وسلم تسليما كثيرا‏..‏ نصلي ونسلم علي آل البيت ونحب رسول الله لحب الله له ونحب أهل بيته لحبه لهم‏:‏ أحبوا الله ما يغذوكم به من نعمة وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي‏..‏ وتحملنا صلاتنا علي آل البيت لركب النجاة مصداقا لقول نبيه صلي الله عليه وسلم‏:‏ مثل أهل البيت مثل سفينة نوح من ركبها نجا‏,‏ ومن تخلف عليها غرق‏..‏ وننشد مع الإمام الشافعي‏:‏يـــا آل رســــول الــلــه حـبكـمـــوفرض من الله في القرآن أنزلهيكفيكمو من عظيم الفخر أنكموامن لم يصل عليكم لا صلاة له
وينزل قوله تعالي‏:‏ إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فيسأله صحابته‏:‏ علمنا يا رسول كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال‏:‏ قولوا‏:‏ اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد‏..‏ ومع ختام رمضان يكون ختام المصحف الشريف بما تحويه سورة الشوري التي تدعو إلي إكرام النبي في أهل بيته‏:‏ ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي‏..‏ ويسألون‏:‏ يا رسول الله من أقاربك الذين أمرنا بمودتهم؟ فقال‏:‏ هم علي وفاطمة وأبناؤهما‏..‏ الحسن والحسين‏,‏ وثالث لم يقدر له أن يعيش محسن وكان قد اسماه رسول الله وهو لم يزل جنينا في بطن أمه‏,‏ وأم كلثوم‏..‏ وزينب‏..‏ السيدة التي ما أن يقال لقبها الست حتي ينصرف الذهن لها وحدها‏:‏ السيدة زينب‏..‏ مدد يا أم هاشم‏..‏ نظرة يا أم العواجز‏..‏ شقيقة القمر بنت الإمام شمس الضحي وكريمة الدارين رئيسة الديوان راية النصر علم الإسلام أخت الشريفين بنت الكريمين الأم الرءوم العقيلة صاحبة الشوري‏..‏ مدد يا بنت بنت النبي‏..‏ مدد يا ستنا زينب بنت سيدنا علي بن أبي طالب وأخت سيدنا الحسن وسيدنا الحسين‏..‏منذ مولدها سنة‏6‏ هـ حتي بلوغها الخامسة كانت تلهو وتلعب وتنعم بما لم تظفر به ابنة أخري‏,‏ فمولدها ومنبتها في بيت النبوة وأمها الزهراء فاطمة أحب أبناء الرسول إليه التي كتب لها أن تكون وحدها أما لدوحة الأشراف من آل البيت‏,‏ وأبوها علي بن أبي طالب الفارس أمير البيان ابن عم النبي ووصيه وأول من آمن به صبيا‏,‏ وفتي قريش شجاعة وعلما وتقي‏..‏ فاطمة وعلي الزوجان اللذان مسح رسول الله صلي الله عليه وسلم بماء وضوئه علي رأسيهما ودعا لهما قائلا‏:‏ بارك الله فيكما وعليكما وأخرج منكما الكثير الطيب وجعل ذريتكما مصابيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الأمة‏..‏و‏..‏ قبل هذا وذاك فجدها لأمها هو نبي الله صاحب الرسالة المحمدية من اختار لها اسم زينب تخليدا لذكري ابنته الراحلة زينب أولي ذريته متأثرة بحادث وقع لها حين هاجرت من مكة إلي المدينة بعد غزوة بدر‏,‏ حيث لاقاها أحد المشركين فنخسها في بطنها وكانت حاملا فأسقط حملها‏..‏ ماتت الابنة البكرية لتبقي لوعة الحزن في قلب المصطفي حتي إذا ما أنجبت أختها فاطمة الزهراء ابنتها الأولي سماها زينب من جديد‏..‏ وجدتها لأمها خديجة بنت خويلد أولي أمهات المؤمنين وأقرب زوجات النبي إليه حية وميتة التي انفردت بحبه خمسا وعشرين عاما لا تشاركها فيه أخري وكانت وحدها الملاذ الذي أشاع الثقة في المراحل الأولي للعقيدة التي يدين بها اليوم واحد من كل ستة من سكان العالم‏..‏ و‏..‏ جد زينب لأبيها هو أبو طالب عم الرسول الذي أصغي إليه يقول‏:‏ والله يا عمي لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري علي أن أترك هذا الأمر ما تركته حتي يظهره الله أو أهلك دونه‏,‏فيأخذ الشيخ بيد صاحب الرسالة حانيا متأثرا قائلا‏:‏ اذهب وقل ما أحببت‏,‏ ويسلم ابنه جعفر ــ شبيه الرسول الذي قال له‏:‏ يا جعفر أشبه خلقك خلقي وخلقك خلقي ــ من بعد أخيه علي فلا يغضب أبو طالب بل إنه عندما رأي النبي يصلي وعلي يمينه علي قال لابنه جعفر‏:‏ يا بني صل جناح ابن عمك وصل عن يساره‏..‏ و‏..‏ جدتها لأبيها فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف التي أسلمت وأوصت الرسول بالصلاة عليها حين تحضرها الوفاة فنفذ وصيتها وألبسها قميصه ونزل يضطجع في قبرها ليسأله أصحابه ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت ببنت أسد فقال‏:‏ لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها وقد ألبستها قميصي لتكسي من حلل الجنة‏..‏ و‏..‏ جد زينب الأكبر لأبويها علي وفاطمة هو عبدالمطلب بن هاشم من انتقل إليه شرف ميراث حراسة الكعبة وسقاية الحجيج لتظل آلاف السنين داخل أسرته‏,‏ وعندما هاجمه أبرهة بجيوشه وأفياله جعل الله كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول‏..‏ هذه زينب وذاك نسبها وآلها ومجدها وشرفها‏.‏انحني النبي الكريم علي حفيدته الوليدة يضمها إلي صدره الشريف يقبلها بقلب حزين وعينين دامعتين عالما بما ينتظرها من آلام وهموم قادمة من وراء الحجب السوداء مثقلة بالأحداث الجسام‏..‏ وتسأله أمها فاطمة عن دموعه فيجيبها رسول الرحمة‏:‏ هذه البنت ستبلي بمصائب شتي‏..‏ وتتجدد الدموع في المآقي‏..‏ ويروي الإمام أحمد بن حنبل في مسنده أن جبريل عليه السلام أخبر محمدا بمصرع الحسين وآل بيته في كربلاء عند ولادة السيدة زينب‏,‏ ويروي أن سلمان الفارسي عندما أقبل يهنئ عليا بوليدته رأه حزينا يتحدث عما سوف تلقاه ابنته من بعده‏,‏ وفي الكامل لابن الأثير أن الرسول أعطي لزوجته أم سلمة ترابا حمله له جبريل من التربة التي سيراق فوقها دم الحسين قائلا لها‏:‏ إذا صار هذا التراب دما فقد قتل الحسين وبقي التراب ترابا سنينا طويلة في قارورته لتنظر إليه أم سلمة يوما فإذا به قد صار دما فتعلم بأن الحسين قد قتل فتهرع لتذيع النبأ‏.‏تبدأ مسيرة الأحزان بموت الرسول صلي الله عليه وسلم لتعيش الصغيرة مواقع وأصداء الحدث الجلل عندما يغسل الجسد الطاهر ويطيب بالمسك ويكفن بأثواب ثلاثة ويؤذن للناس فيدخلون جماعات لتوديع أعز الراحلين ليثوي بعدها في غرفة عائشة‏,‏ وتصغي زينب لعويل الباكيات فتبكي كالأخريات في خضم العويل‏,‏ وتصغي لصياح عمر بن الخطاب فتنصت ذاهلة‏:‏ إن محمد لم يمت ووالله ليرجعن كما رجع موسي وتتوقف مشدوهة أمام حسم الجانب الآخر عندما يصيح أبوبكر إزاء الإصرار اللامجدي‏:‏ من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت‏..‏ وتمضي الأيام مثقلة بأتراحها وزينب إلي جوار أم لا يجف لها دمع حتي ضربوا بها المثل في الحزن لتكون أحد الخمسة البكائين في التاريخ‏:‏ بكي آدم ندما‏,‏ وبكي نوح قومه‏,‏ وبكي يعقوب ابنه يوسف وبكي يحيي خوف النار‏..‏وبكت فاطمة أباها‏..‏ ويستأذن أنس بن مالك في الدخول إليها يستأذنها رفقا بنفسها وصبرا جميلا فتجيبه بسؤالها‏:‏ كيف مكنك قلبك أن تسلم للأرض جثة رسول الله؟‏!!..‏ وتستشعر زينب علي حداثة سنها بتأثير الخطب الفادح علي أمها فيشتد قلقها عليها لا تتركها لحظة تتابع تهجدها وتركع بركوعها وتسجد بسجودها وتدعو بدعائها و‏..‏ تدرك رحمة الله فاطمة فتلحق بأبيها وهي لم تزل في التاسعة والعشرين بعد ثلاثة أشهر فقط كما تنبأ لها بأنها ستكون أول من يلحق به بعد مماته‏..‏ تفقد ابنة العاشرة أمها لتسمع أباها عليا يرثيها مودعا أمام قبرها في ثري البقيع‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون فلقد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة‏,‏ أما حزني فسرمدي‏,‏ وأما ليلي فمسهد‏,‏ وإني لأنصرف لا عن ملالة‏,‏ وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين‏..‏ و‏..‏ تفد علي الدار من بعد فاطمة عدة زوجات لأبيها علي بن أبي طالب‏..‏ أم البنين بنت حزام العامري التي أنجبت العباس‏,‏ وجعفر‏,‏ وعبدالله‏,‏ وعثمان‏..‏ وليلي بنت مسعود بن خالد النهشلي التميمي التي أنجبت عبيدالله وأبا بكر‏..‏ وأسماء بنت عميس‏,‏ وقد ولدت محمدا الأصغر‏,‏ ويحيي‏..‏والصهباء بنت ربيعة التغلبية وولدت عمر‏,‏ ورقية‏..‏ وأمامة بنت أبي العاص بن الربيع التي أنجبت محمد الأوسط‏..‏ وأم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفية وقد ولدت أم الحسن ورملة الكبري‏..‏ والمحياة بنت امرئ القيس بن عدي الكلبية التي لم تلد سوي ابنة ماتت في مهدها‏.‏ وكان علي في مستهل حياته الزوجية ــ عندما كانت فاطمة لم تألف بعد صرامته‏,‏ ولم يكن هو قد درب نفسه علي احتمال أحزانها لفقد أمها خديجة وفراقها لبيت الصبا في كنف النبي الأب ــ قد أبدي رغبته في خطبة بنت عمرو بن هشام بن مغيرة المخزومي علي فاطمة التي أعلنت غضبها وغضب لها أبوها رسول الله صلي الله عليه وسلم منكرا أن يجمع بيت علي بين بنت رسول الله وبنت عدو الله‏,‏ فعمرو بن هشام هو أبوجهل الذي لم ينس النبي والذين آمنوا معه ما لا قوه من شدة وطأته وخبث عداوته للإسلام‏,‏ وهو الذي وقف بباب أبي بكر بعد هجرة الرسول يسأل عنه ابنته أسماء فما أن أجابته بلا أعلم حتي رفع يده ليلطم خدها لطمة طرحتها‏..‏ وتنقشع السحابة ويتراجع علي عن الزواج بغير فاطمة ويتبدد الشجن ويرحل الانقباض ويأتي الحسن ومن بعده الحسين ثم زينب الكوكب الدري في سماء قادمة بالغيوم‏.‏زينب لا تنسي وصية أمها‏..‏ رعاية أشقائها وشقيقاتها الحسن والحسين وأم كلثوم ومحسن الذي مات في حياة أمه‏..‏ وتشغل الصغيرة مكانة الأم الراحلة وهي لم تبلغ العاشرة بعد لكنها السن المتداول في النضوج والتزاوج في تلك البيئة وذلك العصر‏,‏ وهذا الذي كان مثل زواج عائشة من رسول الله‏,‏ وأم كلثوم أخت زينب من عمر بن الخطاب‏,‏ وأمامة بنت أبي العاص ــ بنت خالة زينب ــ من أبيها الإمام علي‏...‏ و‏..‏من بيت الأب إلي بيت الجد خطوات تلتقي فيها الصغيرة بأمهات المؤمنين تسعي بينهن وتسمع ما يدور من حديث عن ذكر الوحي وتتابعه ونزول جبريل بقوله تعالي‏:‏ واذكرن ما يتلي في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا‏..‏ وتنهل زينب من بحار علم أبيها من قال عنه الرسول صلي الله عليه وسلم‏:‏ أنا مدينة العلم وعلي بابها‏..‏ومن الرواة عن زينب كان عبدالله بن عباس وعبدالله بن جعفر‏,‏ وفاطمة بنت الحسين وغيرهم ممن فازوا بصحبتها وعلمها الغزير الذي قال عنه ابن أخيها علي زين العابدين‏:‏ يا عمتاه أنت بحمد الله عالمة غير معلمة‏,‏ وفاهمة غير مفهمة‏,‏ لعظم تقواك وحسن صلتك بربك مصداقا لقوله تعالي‏:‏ واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم‏..‏ وتعلمت رضي الله عنها حسن المناجاة لربها من أبيها وأمها اللذين دخل عليهما الرسول فوجدهما نائمين فاشتد عليهما قائلا‏:‏ ألا تقومان تصليان؟ فقال علي‏:‏ يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله‏..‏ ولم يتقبل النبي هذا الجواب فانصرف يضرب بيديه علي فخذيه قائلا‏:‏ وكان الإنسان أكثر شيء جدلا و‏..‏ بعدها كانا ممن يقول عنهم ربهم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون‏,‏ وبالأسحار هم يستغفرون وبالمثل كانت سيدتنا من خيرة القائمين لله‏,‏ ومن صيغ مناجاتها لربها‏:‏ يا سميع الرجاء أنت الذي سجد له سواد الليل وضوء النهار وشعاع الشمس وحفيف الشجر ودوي الماء يا الله الذي لم يكن قبله قبل‏,‏ ولا بعده بعد‏,‏ ولا نهاية له ولا حد ولا كفء ولا ند‏..‏ وعلي لسان زينب ينساب الشعر ومن قولها‏:‏وكــم لـلـــه مــــن لـطــف خــفـي يدق خفاء عن فهـم الذكــيوكــم يـسر أتي من بـعـد عـسـر ففرج كربة القلب الشـجيوكــم أمــــر تســـاء بـه صباحا وتأتيــك المسـرة بالعــشـيإذا ضـاقت بك الأحــوال يومــا فثق بالواحـد الـفـرد العليتـوســـل بالنبـي فـكــل خـــطـب يـهــون إذا توســل بالنبـيولا تـجــزع إذا مـا نـاب خـطـب فكم للــه مــن لطـف خــفـيوتبلغ زينب سن الزواج فيقع اختيار والدها من بين خطابها علي عبدالله بن جعفر أول مولود للمهاجرين في الحبشة الذي أردفه الرسول خلفه ـ ركب من خلفه دابته ــ ودعا له بخير قائلا‏:‏ اللهم بارك له في صفقة يمينه‏,‏ وكان رمزا للكرم حتي سمي قطب السخاء‏,‏ ووالده جعفر بن أبي طالب ــ شقيق علي ــ خطيب المهاجرين في الحبشة الذي شرح للنجاشي الإسلام شرحا وافيا وقرأ عليه القرآن قراءة اجتذبته للإيمان فأسلم ومن حوله من القديسين والرهبان‏,‏ وصادف قدومه مع أهل بيته عائدا من الحبشة في السنة السابعة للهجرة فتح خيبر ليعانقه الرسول قائلا‏:‏ ما أدري بأيهما أسر‏,‏ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر‏..‏ وقد أثمر زواج عبدالله بزينب أربعة من الأبناء‏:‏ علي ومحمد وعون وعباس‏,‏ ومن البنات أم عبدالله وأم كلثوم الذين لم يكن لأحد منهم نسل إلا من علي وأم كلثوم اللذين أنجبا الكثير ليعتبروا جميعا من الأشراف‏,‏ والمعروف أن أم كلثوم وكنيتها زينب هي التي لقيت ربها في دمشق ليغدو قبرها هناك مزارا‏,‏ حيث يظنون بأنها السيدة زينب صاحبة المقام بالقاهرة‏..‏وإذا ما كانت الأيام قد صبرت علي زينب حتي حملت وأنجبت‏,‏ فقد عادت من جديد تقلب لها ظهر المجن وتأتي بأحداثها الجسام فمن بعد رحيل أمها الزهراء تستقبل أباها الحبيب محمولا علي الأعناق مصابا بطعنة قاتلة مسمومة من سيف قاتله عبدالرحمن بن ملجم المرادي أحد الخوارج الذي كان مقتل الإمام صداقا لحسناء الكوفة قطام بنت أبي الأخضر‏..‏ قتل علي وهو ابن ثلاثة وستين‏,‏ وكانت خلافته خمس سنوات‏,‏ وترك من ورائه الحسن والحسين وزينب التي ثكلت من بعده في شقيقها الحسن‏..‏ وتلوح مأساة كربلاء والسيدة زينب حاضرة تشهد المعركة وتري كيف يحصي الموت شباب بني هاشم ومن بينهم ولداها عون ومحمد‏,‏ وبعدها يأتي استشهاد أخيها الحسين أحب الناس إلي قلبها الذي قال لها في ليلة استشهاده‏:‏ يا أختاه اتقي الله وتعزي بعزاء الله واعلمي أن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون وأن كل شيء هالك إلا وجهه‏..‏ويروي الطبري بإسناده عن قرة بن قيس التميمي قال‏:‏ إن نسيت من الأشياء لا أنسي لوعة زينب ابنة فاطمة في صرختها حين مرت بأخيها الحسين صريعا‏:‏ يا محمدا صلي عليك ملائكة السماء‏..‏ هذا الحسين بالعراء مزمل بالدماء مقطع الأعضاء‏..‏ قال قرة‏:‏ فأبكت كل عدو وصديق‏..‏ ويساق موكب الأسري والسبايا وفيهم علي زين العابدين الذي أنقذته عمته زينب بشق الأنفس فكان كل من بقي من سلالة الحسين الشهيد الذي طافوا برأسه محمولا علي خشبة ومن خلفه رؤوس السبعين من آله وصحبه‏,‏ والأسري من الصبية في الأغلال والسبايا يجررن ذيولهن المطلخة بالتراب‏,‏ ومع العقيلة سيقت أختها فاطمة بنت علي وسكينة بنت الحسين‏,‏ ويصل الركب الحزين في حراسة مشددة إلي الكوفة لتخرج نساؤها نادبات يلطمن الخدود فتنتفض زينب صارخة في وجوههن‏:‏ يا أهل الكوفة أتبكون فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرنة‏..‏ أتعجبون لو أمطرت دما؟‏!..‏ أتدرون أي كبد فريتم وأي دم سفكتم‏..‏ لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ويبلغ المقصد المنتهي في دمشق إلي حضرة يزيد بن معاوية ليعبث بقضيب في يده بثنايا رأس الإمام الحسينوثغره الذي قبله النبي طفلا‏,‏ وتبكي نساء هاشم إلا زينب التي تتصدي له قائلة‏:‏ قتلتم من أمرتم بالصلاة عليه؟‏!!..‏ ولما استرسلت بثأر كلامها ضاق بها وروعه ما سمعه منها فأمر بسفر الركب إلي المدينة التي انتشر فيها خبر مذبحة الشهيد حتي بلغ سفح أحد ثم ارتد إلي البقيع فقباء خافتا ممزقا وما لبث أن تلاشي في صراخ الباكين وعويل النادبات‏..‏ وأرادت زينب أن تعود للساحة المشئومة في كربلاء قبل الوصول إلي المدينة فكانت الأرض بعد أربعين يوما لم تزل ملطخة ببقع من دماء الشهداء وبقية من أشلاء عف عنها وحش الفلاة‏...‏ وفي المدينة يري عبدالله ابن جعفر جالسا يتقبل العزاء في ولديه شهيدي كربلاء عون ومحمد وفي ابن عمه الحسين وبقية الشهداء من آل جعفر وبني عبدالمطلب‏..‏ ومثلما كان بينه وبين زينب الزواج فقد كان أيضا الطلاق الذي افترقا فيه بهدوء بلا صخب أو انفعال كدأب الأتقياء لتظل العلاقات طيبة بين عبدالله وولدي عمه الحسن والحسين طيلة حياتهما‏,‏ وكان من حظ عبدالله وزينب أن تحاشي المؤرخون بلا سبب واضح الخوض في أسباب الانفصال الصامت‏..‏ويخشي يزيد من وجود زينب في المدينة أن تلهب بها الأجواء ضد بني أمية فأمر بتفريق آل البيت في الأقطار والأمصار‏..‏ وتختار السيدة زينب مصر لإقامتها لما علمته من صلاح أهلها وحبهم لرسول الله ومحافظتهم علي كرامة آل البيت الكرام‏..‏ وفي المدينة بعد مغادرة زينب في رحلتها لمصر لم تهدأ العاصفة التي استطاعت عقيلة بني هاشم تأجيجها للثأر لأخيها الشهيد فكانت سببا لتسليط معاول الهدم علي دولة بني أمية ليتغير مجري التاريخ‏..‏ اشتعل السخط علي الظالمين في المدينة حتي كانت موقعة الحرة التي بطش فيها جنود يزيد‏,‏ وتعطلت شعائر الإسلام في المسجد النبوي ثلاثة أيام‏,‏ فلا أذان ولا إقامة ولا صلاة‏,‏ ويذكر صاحب السيرة الحلبية أن سعيد بن المسيب رضي الله عنه كان يلازم الحجرة الشريفة في تلك الأيام‏,‏ وحدث أنه كان يسمع الأذان والإقامة من داخل القبر الشريف‏.‏علي أرض مصر استقبلت الضيفة الطاهرة الشريفة بحشد غفير قرب بلبيس عند بزوغ هلال شعبان عام‏61‏ هـ علي رأسه أمير مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري الذي تنازل لها عن منزله الفسيح بالحمراء القصوي عند قنطرة السباع إكراما لها‏,‏ ووفاء بحقها‏,‏ وصلة لرحم جدها صلي الله عليه وسلم‏..‏وتدوم مدة إقامة السيدة زينب في مصر بعد مجيئها عاما أو بعض عام لتنتقل سليلة النور والطهر إلي جوار ربها‏..‏ وآن للجسد المضني أن يستريح حيث اختارت أن تكون ضجعتها الأخيرة به والذي أصبح مزارا يؤمه الناس من كل مكان لمنزلة صاحبته الرفيعة‏,‏ ولكونه أول ضريح لآل البيت في مصر‏..‏ يجيئونها مشوقين يتوسلون بها إلي رب العالمين‏..‏ الكل يهرع لزينب في مسجدها الذي يتسع الآن لأكثر من‏12‏ ألف مخطوط ولأكثر من‏35‏ ألف مصل من بينهم مئات من الصم والبكم يتجهون بالسبابة للسماء وإبهام يصنع معها زاوية قائمة بمعني الله أكبر بلغة الإشارة التي يترجم فيها القرآن إلي إشارات بأصابع اليدين‏,‏ ليغدو مسجد السيدة زينب الوحيد علي مستوي مصر والعالم الذي يتم فيه تنظيم مثل تلك الصلاة السامية لعدد يقترب من الأربعة ملايين أصم وأبكم‏..‏ويا باتعة‏..‏ يا رئيسة الديوان‏..‏ الصوت انحبس‏..‏يا أم العواجز‏..‏ الحيل انقطع والزهم موال والقهر صار صبار مزروع شيطاني علي مدي الشوف‏,‏ والعتمة جبال لعنان السما‏..‏يا سيدة‏..‏ يا زينب‏..‏ القلب زلزال والحلم ركع‏..‏وغلبت أقول للصغير والكبيرالسيدة في ضهرك‏..‏يا بنت الشهيد وأم الشهيد وأخت الشهيد‏..‏ الصحة كوم قش هشة وصلة الرحم موءودة في عالم الانشغال والوحدة يا باتعة مرار ولغو الكلام صوته ارتفع والمخطط خلاص بقي من المحتم وحكمة الأمس واروها التراب بلا كفن‏,‏ وزفرة الآه من الألم يا أم هاشم انفلت عيارها وطارت تطوف تلف تشف ترف تعشش في صدر كل بيت وغيط وجرس كنيسة وصحن جامع وفي حنجرة الجدع الذي كفر‏..‏يا طاهرة يا شقيقة القمر‏..‏ السلك مضروب والنور انقطع‏..‏يا ست‏..‏ اللقمة واقفة في الزور ومدفع الإمساك ضرب‏..‏يا عقيلة‏..‏ في الحضرة الشريفة ادعي علي اللي في بالي ولا علي اللي في بال ابنها وابني ولا علي اللي في بال كل الناس‏..‏ الكل واحد يا ست الناس عند اللي شفروا الإحساس‏..‏يا صاحبة الشوري‏..‏ أكنس مقامك الزينبي علي اللي دبح الحسين في كربلاء ولا علي اللي تسبب في كرب وبلاء حالنا؟‏!!‏ياصاحبة الكرامات سايقة عليك النبي‏..‏مدد والنبي‏..‏ يا بنت بنت النبي‏..‏
________
اللهم صلى وسلم وبارك
على سيدنا محــــمد
وآله وصحبه وسلم
***********
********
****
**
*
الكتاب
44845
‏السنة 133-العدد
2009
17/sep/2009
‏27 من رمضان 1430 هـ
الخميس

هو و هي
السيدة زينب‏..
‏مدد‏..‏ يا بنت بنت النبي
بقلم‏:‏ ســنـاء البيـــسي