أثارت جريمة قتل الزوجة
التي ارتكبها المذيع إيهاب صلاح
بقطاع الأخبار بالتليفزيون المصري
ردود فعل واسعة في كل أوساط الشارع المصري.
بالتأكيد نحن لا نتكلم عن ظروف
بالتأكيد نحن لا نتكلم عن ظروف
وملابسات القضية المعروضة حاليا أمام المحكمة,
ولا نقول أي أراء بشأنها لأن هذا شأن القضاة
الذين ينظرونها, والذين نثق في عدالتهم أيا كان حكمهم,
ولا نحابي طرفا علي حساب الآخر,
ولكن ما يهمنا هو التفسير العلمي
لما يحدث في مثل هذه الحالات.
ويطلق خبراء الطب النفسي والأعصاب
ويطلق خبراء الطب النفسي والأعصاب
علي مثل هذه الانفجارات الانفعالية
: القرصنة العصبية
وترجح الأدلة أنه أثناء هذه اللحظات
يقوم مركز معين في المخ الحافي( الوجداني)
بتولي قيادة حالات الطوارئ تلك,
ويجند باقي أجزاء المخ لتنفيذ جدول أعماله,
وتحدث القرصنة في لمح البصر,
فتنطلق الاستجابة في اللحظات الحرجة
لكي تسبق قدرة القشرة المخية
ـ أي المخ المفكر العاقل ـ
علي استيعاب ما يحدث,
أو الحكم علي مدي ملاءمته.
والعلاقة المميزة لهذه القرصنة,
والعلاقة المميزة لهذه القرصنة,
أن من يمرون بها,
لا يعرفون بعد انقضاء اللحظة
ما الذي حدث لهم,
فقد فعلوا ما فعلوا وهم غير مدركين لعواقبها,
أو حتي فكروا فيها,
وهذه القرصنة ليست دائما لحظات منعزلة
من الحوادث المرعبة التي تؤدي إلي جرائم
ربما تكون وحشية, فهي كثيرا ما تحدث لنا
بصور أقل كارثية ـ
لكن ليست بالضرورة أقل شدة,
ولتتذكر آخر مرة ثرت فيها في وجه أحد
ـ زوجتك أو ابنك أو حتي سائق سيارة عابرة ـ
ثم رأيت بعد أن تفكرت في الأمر مليا
أنه لم يكن يستدعي هذه الدرجة من الحدة,
فكل هذه الأحداث تندرج تحت اسم
االقرصنة الانفعالية أو الاقتحام العصبي
الذي ينشأ من لوزة المخ أميجدالا.
وتتألف لوزة الدماغ
وتتألف لوزة الدماغ
( أميجدالا)
من مجموعة خلايا عصبية في الدماغ
علي شكل لوزة,
وهي متصلة دائما بقرن آمون اهيبوكامباسب
وتمثل الاستجابات العاطفية والانفعالية للذكريات.
وتختص اللوزة بالمسائل الانفعالية
فإذا فصلنا اللوزة عن باقي أجزاء المخ,
يحدث عجز كبير في التعرف
علي الدلالات الانفعالية للأحداث,
وتسمي هذه الحالة أحيانا
بالعمي الوجداني
وبدون الدلالات الانفعالية
لا يكون للموقف أي تأثير علي الشخص,
مثل حالة الشاب الذي أزيلت لوزتة جراحيا
للسيطرة علي نوبات الصرع والتشنجات الشديدة
التي كانت تحدث له, وبعد العملية أصبح
هذا الشاب غير مبال مطلقا بالآخرين
مفضلا الجلوس بمفرده
حيث لا يكون هناك أحدا يخاطبه
وذلك علي الرغم من أنه كان قادرا
علي الحديث بكفاءة,
إلا أنه لم يعد قادرا علي التعرف علي
أصدقائه المقربين أو تمييز أقربائه من أعدائه
كما لم يهتم بنظرة الألم في وجوههم
بسبب عدم مبالاته بهم
فاللوزة المخية هي مخزن الذاكرة الانفعالية
وتلك قيمة في غاية الأهمية بالنسبة للإنسان
والحياة بدون لوزة مخية هي حياة مجردة
من أي معان شخصية أوأي ردود أفعال حسنة أو سيئة
والأهواء والمشاعر كلها تعتمد علي اللوزة,
والحيوانات التي تزال لوزاتها أو تعطل عن العمل
تفقد الشعور بالخوف والغضب,
وتفقد كذلك الدافع للمنافسة أو التعاون فيما بينها,
ولا تهتم بتأكيد مرتبتها من النظام الاجتماعي لجنسها
وتصبح انفعالاتها سطحية أو ربما تختفي كلية.
والدموع ـ
والدموع ـ
وهي من العلامات الانفعالية
المتفردة في البشر
دون غيرهم من الكائنات ـ
تنطلق من اللوزة ومن جزء قريب منها,
وتهدئ الأحضان أو الربت أو الملاطفات الأخري
من هذه المناطق المخية وتوقف البكاء والنحيب,
وبدون اللوزة لا تكون هناك
دموع أسف أو حزن يحتاج للتهدئة,
وإنما تكون الدموع عبارة عن مجرد إفرازات
من الغدد الدمعية لا تعبر عن أي رد فعل أو انفعال,
مثل كثير من الحيوانات التي يعتقد البعض
أنها تبكي أحيانا,
ويبقي السؤال:
كيف نثار أحيانا بهذه السهولة
ولهذه الدرجة من اللاعقلانية ؟
كيف تطغي المشاعر الانفعالية والاندفاعية
علي العقل للدرجة التي يفعل فيها الإنسان حماقة,
أو يرتكب جريمة,
ثم يعيش بقية عمره يندم عليها
ولا يدري كيف ولماذا- فعل ذلك ؟
لعل الإجابة عن مثل هذه الأسئلة
لعل الإجابة عن مثل هذه الأسئلة
تصبح منطقية من خلال فهمنا للدور
المكتشف حديثا للوزة المخ,
فالإشارات الواردة من الحواس
تجعل اللوزة تمسح كل الخبرات السابقة
في اقرن آمونب بحثا عن حل في المشكلات المشابهة,
وذلك يعطي اللوزة موقفا سلطويا علي الحياة العقلية,
شئ أشبه بالحارس النفسي
الذي يواجه كل موقف وكل إدراك
بسؤال واحد يدور في الذهن
هل هذا الشيء أكرهه ؟
هل يمكن أن يؤذيني ؟ هل هو شئ أخشاه ؟,
وإذا كانت الإجابة توحي بـ نعم,
تستجيب اللوزة في الحال,
وتنقل رسالة الطوارئ لكل أجزاء المخ
الذي يأمر كل أجزاء الجسم بأخذ رد الفعل المناسب,
ولعل دوراللوزة في المخ يشبه دور جهاز للإنذار
مهمته إرسال نداء الطوارئ
إلي إدارة الحرائق والشرطة والجيران,
عندما تشير أجهزة إنذار المنزل
إلي حدوث أي نوع من المشاكل الخطيرة.
وعندما تشعر اللوزة بشيء منذر
وعندما تشعر اللوزة بشيء منذر
ـ كالخوف مثلا ـ
ترسل إشارات عاجلة لكل الأجزاء الرئيسية بالمخ,
فتنبه إفراز الهرمونات الجسدية المسئولة
عن الكر أو الفر, وتحشد مراكز الحركة
وتنشط الجهاز الدوري, والعضلات, والأمعاء,
وهناك دوائر أخري من اللوزة
تطلق الإشارات الأساسية من المخ,
بما فيها الأجزاء التي تجعل الحواس أكثر انتباها,
وبذلك تجعل المخ أكثر تأهبا,
وتنطلق إشارات أخري من اللوزة
تجعل جذع المخ يثبت الوجه علي تعبير الخوف,
وتجميد الحركات غير الضرورية التي قد تقوم بها العضلات,
وترفع من معدل ضربات القلب,
وضغط الدم وتبطئ من التنفس,
وهناك أيضا إشارات تثبت الانتباه علي مصدر الخوف,
وتجهز العضلات للاستجابة المناسبة له,
وفي نفس الوقت
تقوم أجهزة الذاكرة القشرية
بالبحث عن أي معلومات تتعلق بموقف الطوارئ القائم
وتجعل لها الأولوية علي أي أفكار أخري.
وليس هذه إلا جزءا من منظومة
وليس هذه إلا جزءا من منظومة
من التغيرات المخلوقة بعناية,
والتي تقودها اللوزة المخية
أثناء تحكمها في أجزاء المخ المختلفة,
سواء من خلال الجهاز العصبي الإرادي واللا إرادي,
وتسمح الاتصالات العصبية المكثفة للوزة
أثناء موقف الطوارئ
بأسر وقيادة معظم أجزاء المخ
بما فيها العقل المنطقي,
وربما كان للحالة النفسية التي يمر بها الإنسان,
والضغوط النفسية والعصبية
والقلق الشديد والتوتر,
والاستفزازالشديد والاكتئاب من العوامل
التي تساعد لوزة المخ علي إحداث هذه القرصنة
في اللحظات الانفعالية الحادة,
ولعل هذا يوضح لنا القيمة العلمية الرائعة
لحديث الرسول صلي الله عليه وسلم
عندما طلب منه أحد الصحابة منه النصيحة
فقال له: لا تغضب,
وكررها ثلاث مرات,
لما للغضب من تأثير علي قرارات المخ وسلوكياته.
ويعتبر بحث الودوكسب
ويعتبر بحث الودوكسب
من الأبحاث الثورية
في فهم الحياة الانفعالية,
لأنه من أوائل الأعمال
التي تصف المسارات العصبية للمشاعر
التي تتجاهل القشرة المخية العاقلة,
والمشاعر التي تأخذ هذا الطريق المباشر إلي اللوزة,
والتي تشكل أكثر مشاعرنا بدائية وعدوانية وقوة,
وتفسر لنا هذه الدائرة الكثير مما يحدث
من انفلات وتهور انفعالي لحظي يتغلب آنذاك
علي العقلانية والمنطق,
والحقيقة أن حديث
الرسول صلي الله عليه وسلم
عن الغضب:
( إن الغضب من الشيطان
وإن الشيطان خلق من النار
وإنما تطفأ النار بالماء
فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)
يعطي الفرصة واللحظات
التي تحتاجها القشرة المخية العاقلة
لكي تتخلص من قرصنة اللوزة المخية الانفعالية,
وتعيد تقييم الأمور,
واتخاذ القرار الملائم
الذي لا يجعل الإنسان يندم عليه بقية عمره.