بقلم: د. عمرو عبد السميع
فضلت نشر هذا المقال بعد تعيين مجلس إدارة مؤقت لنادي الزمالك, وبعيدا عن التضاغطات العصبية التي أعقبت حل المجلس السابق. وهذه ليست المرة الأولي التي أفصح فيها عن تأييد عريض للمستشار مرتضي منصور في معاركه التي ينتصر فيها لسيادة القانون.
وروح العدالة في المجتمع بعد طول غياب أو تغييب.
وربما لا يروق للبعض حماس المستشار الزائد أو تجاوبه مع الاستثارة ولكن ترديد ما يشير الي ذلك ـ في تقديري ـ هو محاولة لصرف الانتباه عن جوهر القضايا التي يتصدي لها الرجل أو يشتبك مع وقائعها.. أو هو رغبة في رسم صورة نمطية سلبية للمستشار مرتضي منصور في الذهن العام, وجعلها بؤرة اهتمام المجتمع بديلا عن الحكمة التي ينبغي ان يستقطرها الناس عن إعلاء قيمة القانون, وضرورة النضال بلا يأس في مواجهة الظلم والجور, ووجوب الإيمان بجدوي الالتجاء للقضاء والتظلم لمنصته العالية الغالية.
كان حكم المحكمة الإدارية العليا يوم الاربعاء15 سبتمبر الفائت ببطلان انتخابات نادي الزمالك, دليل ثبوت إضافي راكمه المستشار مرتضي علي كوم من الأوراق والأحكام تحصلها في مروحة واسعة من القضايا, وكلها تومئ الي معني واحد هو الاستمساك بالحق الذي لا يضيع مادام وراءه مطالب.
الاستقواء هو جوهر الشوارعيزم, التي أكتب لكم تحت عنوانها منذ سنوات أربع, سواء كان استقواء الحكومة( الإدارة), أو رجال الأعمال المتمولين, أو استقواء كيانات وليدة زواج السلطة بالمال, وهو ما أطلقت عليه اسم:( زواج المتعة السياسي), أو أخيرا هو استقواء ارهابيي الصوت والقلم من الصحفيين والاعلاميين المأجورين الذين يقومون بتصنيع الكذب, وشن الحملات لصالح الزوجين السعيدين( السلطة والمال).
أولئك ـ أجمعون ـ صاغوا وجودا مقرفا ظالما تم فيه تهميش الناس ودفعهم الي حواف وتخوم المشهد العام, وقد تمكن منهم إحساس جارف بعدم الإمكان باحثين عن العدل في السماء حين لم يجدوه علي الأرض.
والمعني الذي يفشيه الانتصار علي الجور والعسف الإداري والسياسي أو القهر الفردي والجماعي علي مواطن أو جملة مواطنين, ان هناك أملا مازال, واننا نعيش في بلد له مؤسساته وهياكله وبنيانه, ولا نضرب في تيه صحراء قاحلة علي غير هدي متوقعين ان يجتاحنا قطاع الطرق, وشيوخ المناسر في موجات كاسحة ومتتابعة.
إن الالتفاف الشعبي حول ظاهرة المستشار مرتضي منصور وسعادة الناس بكل حكم يتحصله, سواء علي مستوي قضية عامة, أو شخصية, لابد أن يلفت كل مهتم بأمور هذا البلد, وكل مشغول بمستقبله, لأن دلالة ذلك الالتفاف تجاوز مساحة الملف الذي تم الحكم فيه الي الاقرار بحزمة من المبادئ العامة أجملها فيما يلي:
أولا: تأكيد حضور السلطة القضائية ومعني المؤسسية وسيادة القانون:
إذ ازدهرت ـ مع كثير الأسف ـ في العقود الماضية ثقافة الخضوع والانصياع للقوة المادية حتي لو لم تكن شرعية أو مشروعة, وقد صارت كذلك في معظم الحالات.
وأصبحت البلطجة العضلية, والإدارية, والمالية, والصوتية, والسياسية صاحبة اليد العليا في تخليق ما يسود المجتمع من قيم, أو مايحيطه من أجواء, وبات الاسترضاء هو الخيار المطروح علي المستضعفين لتسول بعض الحقوق من الباطشين الأقوياء, أو أصبحت محاولة الاندماج في أولئك الأقوياء وتملقهم هي طريقة تحصل الحماية, بالضبط كما كان بعض أبطال روايات الاستاذ نجيب محفوظ يفعلون بالانضواء تحت راية فتوة ظالم.
وإذا كان الاسترضاء للقوة احد الخيارات القليلة المطروحة أمام الناس في عصر البلطجة, فإن التراضي بات وسيلتهم للتفاهم, وهي مسألة تخضع لمقتضيات تفرضها اللحظة, ولا تؤسس حدودا دائمة مصونة للحق والمستحق.
مؤسسات القانون موجودة علي أرض الواقع, ونحن نحاول ـ علي مستوي الخطاب السياسي العلني ـ حشر أنفسنا ولو نظريا في شكل النظام القانوني الرشيدlegal-rational-system ولكن الحضور الرمزي والمعنوي للقانون في وجدانات الناس غاب.. إما لبطء اجراءات التقاضي, وإما لإحساس الناس بعدم جدوي الالتجاء للمحاكم, وإما ليقين جماعي وقر في صدور المصريين بأن الأغنياء والمتسلطين صاروا فوق القانون.
ولعلكم لاحظتم وتلاحظون شيئا من هذا في تشكك الناس حول صدور حكم قوي بالإدانة علي أي من أولئك الأقوياء, وكأنه أمر يقع في خانة رابع المستحيلات بعد الغول والعنقاء والخل الوفي.
اليوم ـ وبوثائق الأحكام التي يتحصلها مرتضي منصور ضد الظلم الإداري أو الشخصي ـ يعود حضور القانون الرمزي والمعنوي, ويصير جزءا من لعبة إدارة الحياة في بلد يريده البعض محكوما بشريعة الغاب, وبمنطق البقاء للأقوي.
ثانيا: إعادة بناء صورة المحامي في الذهن العام:
صاغ الناس للمحامي من وقائع متكررة وكل مجتمع ابن تجاربه صورة سلبية جدا, حين راقبوا بعض المحامين الأكثر شهرة يلعبون بالبيضة تارة, وبالحجر تارة, ويستبدلون الباطل بالحق, ويخلطون الأوراق مضللين الرأي العام بالتشارك مع حلفائهم من مقدمي برامج التوك شو الذين أصبحوا يديرون شبكات مروعة من المصالح المالية, والسياسية, والشخصية, ويجعلون من منصات برامجهم وسائل ناجعة ونافذة لتحقيقها علي جثة الحقيقة, والمعايير, والعدالة, أو الالتزام الأخلاقي المفترض إزاء كتلة الناس الكبيرة وقوامها البسطاء المستضعفين, وإن كانوا يتاجرون ويخادعون بفواصل تمثيلية تتظاهر بالانتصار لأولئك البسطاء.
المستشار مرتضي منصور غير تلك الصورة الذهنية التي ترسخت وتكرست في أذهان الناس, فصاروا يرون رجل القانون يرفع قضية ليس لتحقيق نصر شخصي يبغي من خلاله العودة إلي رئاسة نادي الزمالك, ولكن من أجل الانتصار لإرادة الناخبين في مجتمع تصويتي, ولإقرار مبدأ سياسي, وإداري وقانوني عام يتجاوز حالة نادي الزمالك إلي الساحة العامة بأكملها.
وحتي في القضايا التي رفعها المستشار ضد ما اعتبره سبا وقذفا في حقه, فقد أرسي مبدأ ضرورة التصدي لتغول اعلام وصحافة التجاوز والتواقح الذي أوشك علي جعل السفالة ظاهرة قومية في بلدنا السعيد.
ثالثا: عبثية منطق الإدارة في إبعاد وحصار من يرفض كامل الإذعان
والحقيقة أن ذلك تجلي مرات عديدة في حالة المستشار مرتضي سواء في انتخابات مجلس الشعب, أو انتخابات نادي الزمالك أو القضايا الأخري.
إذ كلما تم حجب حقوقه علي نحو أو آخر, يلتجيء إلي القضاء فينصفه بصرف النظر عن تنفيذ الأحكام وتلك قضية أخري طويلة, ولكن ما يعنيني هنا هو الفشل المتكرر للإدارة بمختلف تمثيلاتها في حصار رجل اختاره الناس في أتميدة ـ ميت غمر, وفي الدقي ـ القاهرة نائبا لهم, أو منحه الأعضاء كامل تأييدهم ليصبح رئيسا لثاني مؤسسة مجتمع مدني في البلاد من حيث الحجم نادي الزمالك.
وفشل الإدارة في حجب حقوق المستشار الذي صار موثقا بأحكام قضاء نهائية لا تقبل الطعن عليها يعني أن هناك عبرة أو عظة ينبغي علي الحكومة أو الإدارة استيعابها, وأعني عدم تكرار الأساليب المعيبة والمخجلة التي تتجاهل إرادة الناس وتتلاعب بها.
إرادة الناس ماء يتدفق في مجري نهر الحياة, ومحاولة حشره في مجري صناعي عسفي لتغيير وجهته لن تفلح, والأجدي أن تتخلي الإدارة في بلدنا عن عنجهيتها الاستامبولي, وتعترف بأنها خادمة للشعب وليست سيدة عليه.
هذه هي ـ ببساطة ـ عقدة الحياة السياسية والحياة العامة في مصر, إذ لو كانت ظروف أعضاء الحكومة سمحت لهم بنوع من التعليم السياسي, أو التنشئة السياسية أو فلنقل التربية السياسية يزرع في أفهامهم معني أن مجيئهم للسلطة هو نتاج للرضا العام, ومصادقة الجمهور ـ انتخابيا ـ علي شخوصهم, لاحترموا إرادة ذلك الجمهور, وراعوها حق المراعاة, ولكن الواحد من أولئك علي مقاعد الحكومة أو الإدارة متنوعة الدرجة والمستوي, يشعر أنه جاء إلي منصبه علي أسنة الرماح, وبالاغتيال العمدي والقصدي للمعايير, أو بدعم بعض رجال الأعمال الأميين اجتماعيا ووطنيا, ومن ثم تتشكل رؤيته للناس علي نحو استعلائي, لا يعترف بإراداتهم أو يستلهمها, وإنما يعمد إلي تسييد قيم الإكراه والإملاء والهيمنة.
هذا منطق تجاوزه وعي الناس ولو الفطري البسيط وتجاوزه العصر الذي يراقب فيه الشباب عبر شاشات الوسائط الاليكترونية كيف يخاطب المرشحون في الديمقراطيات الكبري ناسهم ـ بانكسار أمام احتياجاتهم ومطالبهم ـ ويصوغون برامجهم طبقا لتلك الاحتياجات, ويقومون بتسويقها كالباعة الجائلين طارقين أبواب البيوت, وزائرين كل القري.
الدنيا تغيرت..
وأحد مظاهر تغيرها في مصر ـ من دون إسراف تعبير ـ ظاهرة مرتضي منصور التي هزمت استقواء الشوارعيزم في أكثر من موقعة, فعجزت الادارة عن حصارها وعزلها, والتف حولها الناس بأمل كبير
فضلت نشر هذا المقال بعد تعيين مجلس إدارة مؤقت لنادي الزمالك, وبعيدا عن التضاغطات العصبية التي أعقبت حل المجلس السابق. وهذه ليست المرة الأولي التي أفصح فيها عن تأييد عريض للمستشار مرتضي منصور في معاركه التي ينتصر فيها لسيادة القانون.
وروح العدالة في المجتمع بعد طول غياب أو تغييب.
وربما لا يروق للبعض حماس المستشار الزائد أو تجاوبه مع الاستثارة ولكن ترديد ما يشير الي ذلك ـ في تقديري ـ هو محاولة لصرف الانتباه عن جوهر القضايا التي يتصدي لها الرجل أو يشتبك مع وقائعها.. أو هو رغبة في رسم صورة نمطية سلبية للمستشار مرتضي منصور في الذهن العام, وجعلها بؤرة اهتمام المجتمع بديلا عن الحكمة التي ينبغي ان يستقطرها الناس عن إعلاء قيمة القانون, وضرورة النضال بلا يأس في مواجهة الظلم والجور, ووجوب الإيمان بجدوي الالتجاء للقضاء والتظلم لمنصته العالية الغالية.
كان حكم المحكمة الإدارية العليا يوم الاربعاء15 سبتمبر الفائت ببطلان انتخابات نادي الزمالك, دليل ثبوت إضافي راكمه المستشار مرتضي علي كوم من الأوراق والأحكام تحصلها في مروحة واسعة من القضايا, وكلها تومئ الي معني واحد هو الاستمساك بالحق الذي لا يضيع مادام وراءه مطالب.
الاستقواء هو جوهر الشوارعيزم, التي أكتب لكم تحت عنوانها منذ سنوات أربع, سواء كان استقواء الحكومة( الإدارة), أو رجال الأعمال المتمولين, أو استقواء كيانات وليدة زواج السلطة بالمال, وهو ما أطلقت عليه اسم:( زواج المتعة السياسي), أو أخيرا هو استقواء ارهابيي الصوت والقلم من الصحفيين والاعلاميين المأجورين الذين يقومون بتصنيع الكذب, وشن الحملات لصالح الزوجين السعيدين( السلطة والمال).
أولئك ـ أجمعون ـ صاغوا وجودا مقرفا ظالما تم فيه تهميش الناس ودفعهم الي حواف وتخوم المشهد العام, وقد تمكن منهم إحساس جارف بعدم الإمكان باحثين عن العدل في السماء حين لم يجدوه علي الأرض.
والمعني الذي يفشيه الانتصار علي الجور والعسف الإداري والسياسي أو القهر الفردي والجماعي علي مواطن أو جملة مواطنين, ان هناك أملا مازال, واننا نعيش في بلد له مؤسساته وهياكله وبنيانه, ولا نضرب في تيه صحراء قاحلة علي غير هدي متوقعين ان يجتاحنا قطاع الطرق, وشيوخ المناسر في موجات كاسحة ومتتابعة.
إن الالتفاف الشعبي حول ظاهرة المستشار مرتضي منصور وسعادة الناس بكل حكم يتحصله, سواء علي مستوي قضية عامة, أو شخصية, لابد أن يلفت كل مهتم بأمور هذا البلد, وكل مشغول بمستقبله, لأن دلالة ذلك الالتفاف تجاوز مساحة الملف الذي تم الحكم فيه الي الاقرار بحزمة من المبادئ العامة أجملها فيما يلي:
أولا: تأكيد حضور السلطة القضائية ومعني المؤسسية وسيادة القانون:
إذ ازدهرت ـ مع كثير الأسف ـ في العقود الماضية ثقافة الخضوع والانصياع للقوة المادية حتي لو لم تكن شرعية أو مشروعة, وقد صارت كذلك في معظم الحالات.
وأصبحت البلطجة العضلية, والإدارية, والمالية, والصوتية, والسياسية صاحبة اليد العليا في تخليق ما يسود المجتمع من قيم, أو مايحيطه من أجواء, وبات الاسترضاء هو الخيار المطروح علي المستضعفين لتسول بعض الحقوق من الباطشين الأقوياء, أو أصبحت محاولة الاندماج في أولئك الأقوياء وتملقهم هي طريقة تحصل الحماية, بالضبط كما كان بعض أبطال روايات الاستاذ نجيب محفوظ يفعلون بالانضواء تحت راية فتوة ظالم.
وإذا كان الاسترضاء للقوة احد الخيارات القليلة المطروحة أمام الناس في عصر البلطجة, فإن التراضي بات وسيلتهم للتفاهم, وهي مسألة تخضع لمقتضيات تفرضها اللحظة, ولا تؤسس حدودا دائمة مصونة للحق والمستحق.
مؤسسات القانون موجودة علي أرض الواقع, ونحن نحاول ـ علي مستوي الخطاب السياسي العلني ـ حشر أنفسنا ولو نظريا في شكل النظام القانوني الرشيدlegal-rational-system ولكن الحضور الرمزي والمعنوي للقانون في وجدانات الناس غاب.. إما لبطء اجراءات التقاضي, وإما لإحساس الناس بعدم جدوي الالتجاء للمحاكم, وإما ليقين جماعي وقر في صدور المصريين بأن الأغنياء والمتسلطين صاروا فوق القانون.
ولعلكم لاحظتم وتلاحظون شيئا من هذا في تشكك الناس حول صدور حكم قوي بالإدانة علي أي من أولئك الأقوياء, وكأنه أمر يقع في خانة رابع المستحيلات بعد الغول والعنقاء والخل الوفي.
اليوم ـ وبوثائق الأحكام التي يتحصلها مرتضي منصور ضد الظلم الإداري أو الشخصي ـ يعود حضور القانون الرمزي والمعنوي, ويصير جزءا من لعبة إدارة الحياة في بلد يريده البعض محكوما بشريعة الغاب, وبمنطق البقاء للأقوي.
ثانيا: إعادة بناء صورة المحامي في الذهن العام:
صاغ الناس للمحامي من وقائع متكررة وكل مجتمع ابن تجاربه صورة سلبية جدا, حين راقبوا بعض المحامين الأكثر شهرة يلعبون بالبيضة تارة, وبالحجر تارة, ويستبدلون الباطل بالحق, ويخلطون الأوراق مضللين الرأي العام بالتشارك مع حلفائهم من مقدمي برامج التوك شو الذين أصبحوا يديرون شبكات مروعة من المصالح المالية, والسياسية, والشخصية, ويجعلون من منصات برامجهم وسائل ناجعة ونافذة لتحقيقها علي جثة الحقيقة, والمعايير, والعدالة, أو الالتزام الأخلاقي المفترض إزاء كتلة الناس الكبيرة وقوامها البسطاء المستضعفين, وإن كانوا يتاجرون ويخادعون بفواصل تمثيلية تتظاهر بالانتصار لأولئك البسطاء.
المستشار مرتضي منصور غير تلك الصورة الذهنية التي ترسخت وتكرست في أذهان الناس, فصاروا يرون رجل القانون يرفع قضية ليس لتحقيق نصر شخصي يبغي من خلاله العودة إلي رئاسة نادي الزمالك, ولكن من أجل الانتصار لإرادة الناخبين في مجتمع تصويتي, ولإقرار مبدأ سياسي, وإداري وقانوني عام يتجاوز حالة نادي الزمالك إلي الساحة العامة بأكملها.
وحتي في القضايا التي رفعها المستشار ضد ما اعتبره سبا وقذفا في حقه, فقد أرسي مبدأ ضرورة التصدي لتغول اعلام وصحافة التجاوز والتواقح الذي أوشك علي جعل السفالة ظاهرة قومية في بلدنا السعيد.
ثالثا: عبثية منطق الإدارة في إبعاد وحصار من يرفض كامل الإذعان
والحقيقة أن ذلك تجلي مرات عديدة في حالة المستشار مرتضي سواء في انتخابات مجلس الشعب, أو انتخابات نادي الزمالك أو القضايا الأخري.
إذ كلما تم حجب حقوقه علي نحو أو آخر, يلتجيء إلي القضاء فينصفه بصرف النظر عن تنفيذ الأحكام وتلك قضية أخري طويلة, ولكن ما يعنيني هنا هو الفشل المتكرر للإدارة بمختلف تمثيلاتها في حصار رجل اختاره الناس في أتميدة ـ ميت غمر, وفي الدقي ـ القاهرة نائبا لهم, أو منحه الأعضاء كامل تأييدهم ليصبح رئيسا لثاني مؤسسة مجتمع مدني في البلاد من حيث الحجم نادي الزمالك.
وفشل الإدارة في حجب حقوق المستشار الذي صار موثقا بأحكام قضاء نهائية لا تقبل الطعن عليها يعني أن هناك عبرة أو عظة ينبغي علي الحكومة أو الإدارة استيعابها, وأعني عدم تكرار الأساليب المعيبة والمخجلة التي تتجاهل إرادة الناس وتتلاعب بها.
إرادة الناس ماء يتدفق في مجري نهر الحياة, ومحاولة حشره في مجري صناعي عسفي لتغيير وجهته لن تفلح, والأجدي أن تتخلي الإدارة في بلدنا عن عنجهيتها الاستامبولي, وتعترف بأنها خادمة للشعب وليست سيدة عليه.
هذه هي ـ ببساطة ـ عقدة الحياة السياسية والحياة العامة في مصر, إذ لو كانت ظروف أعضاء الحكومة سمحت لهم بنوع من التعليم السياسي, أو التنشئة السياسية أو فلنقل التربية السياسية يزرع في أفهامهم معني أن مجيئهم للسلطة هو نتاج للرضا العام, ومصادقة الجمهور ـ انتخابيا ـ علي شخوصهم, لاحترموا إرادة ذلك الجمهور, وراعوها حق المراعاة, ولكن الواحد من أولئك علي مقاعد الحكومة أو الإدارة متنوعة الدرجة والمستوي, يشعر أنه جاء إلي منصبه علي أسنة الرماح, وبالاغتيال العمدي والقصدي للمعايير, أو بدعم بعض رجال الأعمال الأميين اجتماعيا ووطنيا, ومن ثم تتشكل رؤيته للناس علي نحو استعلائي, لا يعترف بإراداتهم أو يستلهمها, وإنما يعمد إلي تسييد قيم الإكراه والإملاء والهيمنة.
هذا منطق تجاوزه وعي الناس ولو الفطري البسيط وتجاوزه العصر الذي يراقب فيه الشباب عبر شاشات الوسائط الاليكترونية كيف يخاطب المرشحون في الديمقراطيات الكبري ناسهم ـ بانكسار أمام احتياجاتهم ومطالبهم ـ ويصوغون برامجهم طبقا لتلك الاحتياجات, ويقومون بتسويقها كالباعة الجائلين طارقين أبواب البيوت, وزائرين كل القري.
الدنيا تغيرت..
وأحد مظاهر تغيرها في مصر ـ من دون إسراف تعبير ـ ظاهرة مرتضي منصور التي هزمت استقواء الشوارعيزم في أكثر من موقعة, فعجزت الادارة عن حصارها وعزلها, والتف حولها الناس بأمل كبير