اللهم غربل الصحافة الفرنسية، اللهم بهدلها واقلب عاليها واطيها،
هذه الصحافة المؤزمة، هذه الصحافة التي لا تستحي ولا تنتخي،
التي تقسو على ولي الأمر، الرئيس ساركوزي، وتسخر منه،
وتجعله علكاً بصرياً في أفواه العالم كله. وكل الذي عمله ساركوزي أنه
أمر بتعيين ابنه ‘جان’ على رأس حي المال والأعمال الشهير ‘لاديفانس’.
بس. فما الذي حدث بعد ذلك، بحسب ما قرأنا بعد الترجمة؟
الذي حدث هو أن الأحزاب ثارت غضباً، وأولها حزب ولي الأمر نفسه،
حزب ساركوزي. بل إن أحد المقربين إلى الرئيس من أعضاء الحزب طالبَ
بتغيير اسم ‘جمهورية فرنسا’ إلى ‘جمهورية التفاح’، إشارة إلى جمهوريات
الموز التي تعني الفوضى وسيطرة الأقوى، وعلى اعتبار أن فرنسا مشهورة
بتصدير التفاح. هذا من جهة الأحزاب والمواقف الرسمية. أما الشبان العاطلون
عن العمل فقد حملوا ‘كراتين’ الموز واتجهوا إلى ميدان ‘لاديفانس’ واحتضنوا طبولهم
وراحوا يقرعونها على طريقة الأفارقة، تحت لوحة كُتب عليها ‘جمهورية فرنسا العربية’
إشارة إلى ما يفعله الحكام العرب وأبناؤهم في بلدانهم. وكتب آخر ساخراً على
لوحة يحملها ‘أيها الملك ساركوزي، خاطب ابنكم مولاي الأمير جان ليقبلني
حامل شنطته’. وذهب مجموعة من هؤلاء الشبان إلى إدارة التوظيف، وطالب أحدهم
بتغيير اسمه من ‘ميشيل رينييه’ إلى ‘جان ساركوزي رينييه’، والآخر من ‘هيدالغو كرومير’
إلى ‘جان ساركوزي كرومير’، ووو…ودخلت الصحافة الفرنسية على الخط يا معلم،
ويا داهية دقي، على رأي المصريين، وإلطم ياللي بدك تلطم، وخذ من السخرية ما لا يُحتمل.
فرسام الكاريكاتير يرسم لوحة تظهر ساركوزي في خيمة يرتدي الغترة والعقال والبشت،
وبجانبه مجموعة من الجِمال، ومجموعة من الحسناوات اللاتي يرقصن على أنغام العود العربي،
ويصرخ في وزيره: ‘أعطوا ابني الأمير جان مليار يورو، وأربعمئة جمل، وخمسمئة راقصة،
وحقل نفط، وحي لاديفانس’، ورسمٌ آخر يظهر فيه الرئيس يهدي لابنه في عيد ميلاده
‘برج إيفل والسياح الموجودين حوله’. وكتب أحد الساخرين عن وجوب تقبيل يدي جان،
ووو، وضحك الناس، واخترعوا النكات، ولاحول ولا قوة إلا بالله… ويا ويل الصحافة من الله،
تستهزئ بالرئيس، ولي الأمر؟. وهوَت شعبية ساركوزي بشدة، فاحتاس حوسة الأرملة
أم الأيتام، وجمع مستشاريه ليفكروا معه في كيفية الانسحاب بأقل قدر من الخسائر،
فاقترحوا عليه أن يعتذر جان بنفسه، فصرّح جان: ‘لن أقبل المنصب إذا كان ذلك يغضب
الشعب الفرنسي’، فسخرت صحيفة: ‘جان… يا لتواضعك الجم’، وكتبت أخرى:
‘جان يعطف على الشعب ويتنازل عن المنصب’
وكأن الصحيفتين تقولان له بالفرنسي الفصيح ‘غصباً عليك وعلى أبوك اللي جابك’.
واختفى جان عن أعين المارة، وأغلق هاتفه النقال، وتلاشى، و’يا مَن عيّن الضالة’.
فوضعت الصحافة صورة له وكتبت: ‘اختفاء الأمير جان ساركوزي’، وكتبت أخرى:
‘شوهد جان في إفريقيا، يبدو أن أباه أعطاه دولة كوت دي فوار’، ووو…
وكتبتُ أنا: ‘عليّ النعمة لن يفعلها جان مرة أخرى. اعنبوكم خلاص. ارحموه’.
وفي الكويت، يُعطى الشيخ أحمد العبدالله أهم وزارتين، النفط والإعلام،
يسلّي وقته فيهما، فنلطم، وننتقد ضعف إدارته وهشاشة أدائه السياسي،
فيأتينا الرد من زملائنا الراقصين في بلاط الحكومة: ‘أهدافكم واضحة…
تقليل هيبة الأسرة الحاكمة’. هكذا بسهولة، فزملاؤنا الأفاضل يحبون الأسرة
الحاكمة والكويت أكثر منا وأكثر مما يحب الفرنسيون فرنسا…
وتحيا جمهورية البطيخ وصحافة البربيخ والزرنيخ